Saturday, April 12, 2008

عن علوم الشرع

رسالة حب : عن علوم الشرع

أخي الحبيب حســام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة

على أرض الحب وفي ضيافة الشاعر الجميل طارق المملوك نلتقى، نتحاور ونختلف، ويبقى دائما الود. نفرد شراعنا ونبحر في بحر لجي عالى الأمواج فنظل في حاجة إلى ربان يعرف فن الإبحار، فلا نكون كمن قال عنهم رسولنا الحبيب "فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" فظهرنا، سفينتنا التي نبحر بها، يجب الحفاظ عليها. ومن حسن حظنا أن بيننا ربان يجيد فن الإبحار ويجيد فن الكلام. ومن رأيى أننا لا يجب أن نقف كثيرا عند لفظ التحية، فنحن غير مختلفين وهناك عظائم الأمور التي يجب أن تكون لها الأولوية ويعمل لها ربان سفينتنا ألف حساب فصيغة التحية (تحياتي بالجمع أو تحيتى بالمفرد) لن تغرق السفينة وهناك من الأمور التي أغرقت فعلا السفينة تستحق منا كل الإهتمام.


لم يلحظ أخي السندباد قولي "قول البشر" وربما لاحظه فقال:

رأيت أنه يجب احترام آراؤهم لئلا يجترىء الناس على مهاترتهم أو نقدهم وخصوصا فى هذا الزمن الذى لا تعرف فيه أقدار الرجال كما يجب.

أنا معك يا أخي بعدم مهاترتهم، أما نقدهم فهذا واجب شرعي على كل مسلم ومسلمة. فكل البشر غير معصومين وهذا من ركائز الإسلام التي يستحيل لأي مسلم أن يفرغ الإسلام منها.

وهذه من الأسباب الرئيسية لغرق سفينتنا يا ربان.


الأمر الثاني وأظنه أيضا من أسباب غرق السفينة، فكما جاء في رسالتك:

وظن أن العلم الشرعى يجوز فيه ما يجوز فى علوم الفيزياء والكيمياء من ابتكارات وآراء.

فالعلم هو العلم مهما اختلفت مادة العلم، كيمياء ، فيزياء، بحار، أحياء، جغرافيا، تاريخ، أو شرع. فالعلم كما قال علماء المسلمين، ونقل عنهم علماء الغرب، يرتكز على المنهج العلمي للوصول إلى النتائج من المقدمات والعلم منتج بشري يجوز فيه الخطأ والصواب.


فعلم الشرع يشترك مع علم الفيزياء في كونهما علما أنتجه بشر وليس وحيا من السماء. علم الفيزياء مادته الكون الذي خلقه الله ونتائجه قوانين الفيزياء وعلم الشرع مادته الوحي (كلام الله) ونتائجه قوانين السلوك الإنساني وما يجوز ولا يجوز وما يعاقب عليه ودرجة العقاب.


ودعنا نتفكر في الأقوال التالية:

"العلم قال الله قال رسوله أولا ..."

"فمن المعروف أن العلم الشرعى على اختلاف المذاهب بنى على القرآن والسنة والاجماع والقياس والاستصحاب والعرف"



أقول أن العلم الشرعي مثل باقي العلوم من نتاج البشر، تأتي أحكامه بتطبيق المنهج العلمي في استنباط الحقائق. وتختلف العلوم في مادتها فعلم الكيمياء مادتة المركبات المادية وعلم الأحياء مادته الكائنات الحية وعلم الشرع مادته الوحي.

هذا الوحي، مادة علم الشريعة (أو علم الدين عموما) هو ما أوحى به الله المعبود إلى رسول من الرسل لتبليغه للناس. والمؤمن هو من يصدق أن الرسول تلقى رسالة من الله. والكافر هو من ينكر بلاغ الرسول عن الله. هذه الرسالة التي نقلها الرسول للمؤمنين به هي مادة علم الدين (الشرع). وهنا أتفق مع القول (العلم قال الله قال رسوله أولا) بعد حذف أولا. فقول الله الذي أبلغه لنا رسوله هو أولا وأخيرا كمادة بحث لعلوم الشرع والدين. وفي هذا تتفق جميع الشرائع والأديان إلا أن ديننا الإسلامي يختلف عنها في أن رسولنا الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه هو آخر الرسل وبموته إنقطع الوحي وتمت رسالة الله للبشر. وعلى ذلك فمادة علم الشرع ثابتة لا تتغير وقد اكتملت قبل وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه فلا تزيد ولا تنقص. هذه المادة الثابتة الكاملة المحكمة هي الدين الإسلامي أما علم الدين الذي ينتجه البشر فليس دينا بل إجتهادا بشري شأنه شأن باقى العلوم. ولا أعتقد أن أحدا من علماء المسلمين يختلف معي في ذلك فالجميع يتفق على أنه إذا اختلف العلماء فيردوا الأمر إلى الله ورسولة، وهذه من الأصول المتفق عليها، ويقولون منا يؤخد ويرد ومن صاحب هذا القبر (الرسول علية الصلاة والسلام) يوخذ ولا يرد. أي أن كلام العلماء علما يؤخذ ويرد ومادة هذا العلم وأصله مأخوذة عن رسول الله الموحي إليه فلا يرد وهو ما يقال عنه بالثوابت فلا يصح أن نضيف إلي تلك الثوابت مصادر أخرى ليست وحيا من الله مثل العرف. والمعروف أن العرف متغير وليس ثابت. فالعرف في البلاد الأوربية يختلف عن العرف في البلاد العربية والعرف في المناطق الصحراوية يختلف عن المناطق الساحلية فالعرف متغير مكاني تحكمه البيئة. ولا شك أننا نعرف أن الإمام الشافعي غير فقهه عندما استقر في مصر عن فقهه وهو في العراق. هذا الفقه ليس جزءا من دين الله فلم يكن يوحى إلى الإمام الشافعي ولكنه كان يستنبط أحكاما شرعية تناسب عرف المكان. ويتغير العرف مع الزمن أيضا فهو متغير زماني يتغير مع الزمن. ولو عاش الإمام الشافعي رضي الله عنه في هذا الزمان لتغير فقهه. ذلك لأن فقهه ليس دينا بل علما. ونفس هذا القول يقال عن الإجماع والقياس فهما ضمن منهج علمي متفق عليه. فالقياس أسلوب للوصل إلى حكم صحيح لتشابهه مع حكم منصوص عليه. أما الإجماع فلفظ لا وجود له في حياة البشر، ولم يحدث مطلقا بدليل وجود مذاهب عدة بينها العديد من الإختلافات، حتى داخل المذهب الواحد تتعدد الآراء والرؤى. ولنا أن نلتزم بالأحكام التي يتوصل إليها فكر الإنسان، ليس لأنها دينا من عند الله بل لأنها إجتهادات بنيت على وحي الله سبحانه وتعالى إلى رسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه. ولا نكون مثل من قال الله عنهم:

"اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما امروا الا ليعبدوا الها واحدا لا اله الا هو سبحانه عما يشركون"


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
عزت هلال

2007/07/24

No comments: