Sunday, June 22, 2008

أحمد عبد الله رزة وشباب الإنترنت


أحمد عبد الله رزة وشباب الإنترنت
***


احتفل أصدقاء الدكتور أحمد عبد الله رزة أمس الجمعة 20 /6 / 2008 بذكراه الثانية تحت عنوان "الحركة الشبابية والطلابية 1968 ؛ 2008 بمناسبة مرور اربعون عام". لقد عكس اختيار المكان وعنوان الإحتفال ذكاء النخبة التي عاصرت أحمد عبد الله رزة وشاركت انتفاضة الطلبة منذ أربعين عاما. فالمكان هو مركز الجيل للدراسات الشبابية الذي أنشأه أحمد عبد الله رزه ويمثل إصرار جيله على مواصلة صناعة المستقبل بكل ما هو متاح، دون عناء البحث وإيجاد ما هو غير متاح. وهو نفس الإصرار الذي دفع منظموا الإحتفالية لتخصيص مساحة كبيرة من الإحتفالية لشباب 2008 من المدونين وطلاب الجامعات. فهل حركة الشباب وانتفاضة 6 أبريل داعبت خيال جيل أحمد عبد الله بعودة أجواء الحركة الإحتجاجية بعد هزيمة يونيو 1967؟ هذا ما عبر عنه أحد الشباب عندما قال "أنتم تقتلون أحمد عبد الله رزة ولا تُحْيوه ... لو كان بيننا لتحدث عن المستقبل فحديث الذكريات يعرفه أصدقائه ويقرأ عنه الشباب ... أما المستقبل فهو ما نريد أن نعرفه". كانت كلمات هذا الشاب، الذي بدء كلامه بأنه ليس مدونا وليس وليس ..، معبرة عن نوايا داخلية لجيل النخبة المهزوم، لم تعبر عنها كلماتهم ولا كلمات جيل الشباب التائة بين تكنولوجيا المعلومات وهزيمة داخلية توارثها من جيل النخبة التى ثارت بعد هزيمة يونيو.

***
تكونت الإحتفالية من أربعة جلسات الأولى بعنوان "حول الفكر الاجتماعى" والثانية بعنوان "حركة 1968 فى مصر والعالم" والثالثة بعنوان "شباب ومدونى 2008" والرابعة حفل غنائي للفنان وجيه عزيز.

كانت الحلقة الأولى والحلقة الثانية مباراة تنظيرية من جيل انتفاضة 1968 تتخللها مندبة لأصدقاء أحمد عبد الله رزة. إلا أنه من هذه النخبة علت أصوات من القاعة تقول أن شباب منظمة الشباب هم المحرك الأساسي لحركات الرفض والمقاومة بعد هزيمة 1967 وإلى بدايات السبيعينات - وأنه على حد قول الدكتورة منى لم تكن الحركة كلها يسارية بل كانت هناك مشاركات من التيار الديني. منظمة الشباب، أنشأها نظام عبد الناصر للتثقيف السياسي وإعداد القادة السياسيين. وكوادرها من الشباب هم أول من ثاروا على عبد النصر في 68 ورفضوا أحكام قادة الطيران ورأو أنها تَنَصُل من القيادة السياسية عن مسئوليتها في هزيمة 67. لم تكن إنتفاضة الطلاب في 68 وفي بداية السبعينات وقبل انتفاضة 18 و 19 يناير 77 بسبب الغلاء أو البطالة أو رغيف الخبر ولكنها كانت رفضا للهزيمة التي منى بها عبد الناصر ومقاومة سياسية الإستسلام التي قادها الرئيس أنور السادات. إلا أن التنظيريين أفادونا بأن إنتفاضة الطلبة في 68 لم تكن قاصرة على مصر بل كانت ظاهرة عالمية. وهذا ما يقال الآن بأن ظاهرة الغلاء ظاهرة عالمية والفيس بوك ظاهرة عالمية، والمجتمع المدني وحقوق الإنسان صنعتها العولمة! واستطاع أنور السادات خاصة بعد أكتوبر 1973 أن يسيطر على الحركة السياسية ويحول النخبة والقادة السياسيين إلى أوتوقراط وأكاديميين من أمثال الدكتور أحمد عبد الله رزة والدكتور نادر فرجاني وغيرهما من النخب السياسية زمن الهزيمة. واكتفى رزة ومعه بعض نخب 68 بالإبداع الإجتماعي واكتفى آخرون بالتنظير وكتابة المقالات وتأليف الكتب في زمن لا يعرف شبابه القراءة، وغاب العمل السياسيى عن الساحة ليظهر جيل المدونات مفصولا عن جذوره مستسلما لثقافة الهزيمة. وهذا ما عبرت عنه الحلقة الثالثة من خلال كلمات شباب 2008.

***
ليس صحيحا أن حركة شباب الفيس بوك إحياءا لحركة الطلبة في 68. فالذي حرك شباب 68 هو موقف سياسي ورؤية تغيب عن شباب 2008. فقد مات الدكتور زكي نجيب محمود ويوسف أدريس وغيرهما من الأساتذة الذين أثْروا الحياة الثقافية والسياسية بالإضافة إلى منظومة عبد الناصر الوطنية التي عمقت الوعي السياسي والإنتماء للوطن. وكان نتاج ذلك شباب 68 الذي انسحب بعد ذلك من الحركة السياسية وخلت الساحة للعولمة، تُشكل فيها شباب الفيس بوك من خلال كافة وسائل الإعلام التي تسيطر عليها بما فيها المدونات والفيس بوك. فتحرك هؤلاء الشباب بدون رؤى سياسية حتى أن أحد الطلاب الجامعيين قال "مفيش مانع نسلم العميد مطالبنا الستة ويحفظها في درج مكتبة ونسلمها له في المرة القادمة ليستجيب للمطلب الأول ومرة ثالثة ورابعة ليستجييب للمطلب الثاني وهكذا ..." هذه الوالدية التي ترى في المسئول والد يحتاج إلى الإلحاح في المطالبة لن تؤدي إلى حل للمشكلات المزمنة في مجتمع سلبت إرادته ووعيه وشاعت فيه الفردية. وشاب آخر لخص مطالب الشباب في أربعة مطالب كزيادة المرتبات ووقف الغلاء وتوفير المساكن ووقف تصدير الغاز لإسرائيل. وليس عليه أن يفكر فيما إذا كانت الحكومة قادرة على تنفيذ مطالبه بنفس سياساتها أم لا؟ ولا يشغل باله كون أن المتسبب في المشكلة هو المطلوب منه حلها؟ نفس العلاقة الوالدية ... لقد فرح موظفو الضرائب العقارية، الذين اعتصموا قرابة الشهر أمام رئاسة الوزراء، بقانون الضرائب العقارية الجديد لأنه سيزيد مرتباتهم ولم يهتموا بتأثير ذلك على ممولي الضرائب العقارية. ولن تكتسب حركة الفيس بوك فعالية التغيير بهذه الأفكار حتى وإن خرجت من الفضاء الإفتراضي إلى الواقع.

لست متشائما، ولكنني آمل أن نعي كلمات الشاب الذي طالب النخبة برؤى للمستقبل فيتخلى النخبة عن الأوتوقراطية والأكاديمية ويتحولون إلى سياسيين وقدوة تضع حلولا سياسية ورؤى نهضوية يلتف حولها شباب الفيس بوك.

***
وأخيرا لم أتحمل الجلوس كثيرا على المقعد الخشبي لأستمع إلى المزيد من أغاني الفنان الجميل وجيه عزيز وأستمتع بها.

عزت هلال