Wednesday, February 25, 2015

السلطة في الإيمان المسيحي


السلطة في الإيمان المسيحي


 
لابد للتعرف على الإيمان المسيحي أن نفرق بين عبارة ملكوت الله أو ملكوت السماوات وبين الملك الزمنى المحدود (الحكم المدني). كان يسوع عليه السلام ينادي بها كحدث متوقع حدوثه في المستقبل، أو ربما يكون الملكوت كان قد جاء فعلا إلى الإنسان بشخص المسيح. وبحسب الإيمان المسيحي فإن السماء أو العالم الروحي تعترف بحكم الله وتخضع له، أما الأرض أو العالم المادي فهي ولوقت محدود بحاجة لمعرفة سر الله لتخضع له وتعترف بملكه.
(رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي 1: 13): «الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ،»
(إنجيل متى 21: 43): «لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ.»
فالخضوع لملكوت الله يكمن في الطاعة لله تعالى كما تفعل الملائكة في السماء.
(إنجيل مرقص 12:12-17): «ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلَا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لِأَنَّكَ لَا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللّهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لَا؟ نُعْطِي أَمْ لَا نُعْطِي؟ فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لِأَنْظُرَهُ. فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: لِقَيْصَرَ. فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ. فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ»
ونفهم من هذا أن من تعاليم المسيح أن الواجبات للدولة مقدسة وضمن الواجب الديني. ولكن كان الأمر للتفرقة بين السلط الدينية ومكانها ملكوت الله في السماء أو في الأرض، والسلطة الزمنية (المدنية) المحدودة ومكانها الأرض فقط. لا يحق للمسيحي مثلاً أن يتمرد على حكم دولته الشرعي رغبة في الثورة والعصيان. ولكنه أيضاً لا يستطيع أن يخضع لأمر الدولة بالكف عن عبادة الرب، والتبشير بإنجيل المسيح؛ لأن شريعة الله أسمى وأعظم وأوجب بالطاعة من قوانين الدولة المخالفة لحكم الله. صحيح أن المسؤولية الروحية هي الصفة الأغلب على العمل المسيحي، قال المسيح:
(إنجيل متى 5: 13) «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. »
على جميع المسيحيين في مختلف ظروفهم أن يعملوا جاهدين في سبيل تقريب نظام دولهم وأسلوبهم مما هو منسجم مع القيم الإلهية للحياة الإنسانية. قال المسيح عليه السلام أنه ما جاء لينقض الأحكام ولكن ليكمل:
(إنجيل متى 5: 17): «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.»
فأضاف التوبة على كل الأفعال التي تستوجب القصاص فهذا فعل صاحب السلطة أما هو فيوجب التوبة لتطهير النفس فقد قال عن الزانية:
(انجيل يوحنا 8: 7): «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر!»
فلما سألها المسيح عليه السلام أما دانك أحد أجابته:
(انجيل يوحنا 8: 11): «فقالت لا أحد، يا سيد. فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضا»
قال المسيح عليه السلام «اذهبي ولا تخطئي أيضا» فهو لا يملك سلطة الحساب وهو لا يرفضها أيضا ولكن الدين هو التوبة والعودة إلى الحق مرة بل مرات ولعل الله يغفر.
(انجيل متى 5: 44): «وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،»
وهذا هو محور العمل الثقافي لتغيير السلوك الإنساني إلى الأفضل بدون سلطة.
[لاهوت التحرير المسيحي المصري _ https://www.facebook.com/lahot.elta7rer/info?tab=page_info]
فالخلاص يجب ألا يحدّ في عبارات تتعلق بالحياة بعد الموت فقط، لكنه يجب أن يشمل مفهوم ملكوت الله كواقع الآن. هذا الملكوت هو نظام اجتماعي جديد، يضمن المساواة للجميع. هذا المعنى لا يعني تجاهل البعد الأبدي "الحياة بعد الموت"، لكنه يربط الاثنين معاً. وإذا كان التاريخ والأبدية مرتبطين معاً، فإن الخلاص هو التحرك نحو نظام جديد. وبناءً عليه فالمؤمنون مطالبون بمقاومة كل شيء يعارض هذا النظام الجديد.

دعوة للحوار
كل ما أكتبه هو وجهة نظر يمكن أن تكون صوابا أو خطأ وأرجح صوابها ولذا كتبتها وهي دائما معروضة للحوار فإن ثبت خطئها فلا مانع من تصحيحها فلا يوجد أي مقابل لها يمنعني من الأخذ بعكسها. والدين، سواء كان المسيحية أو الإسلام لا سلطة له ولكنه حديث وجداني يغير المجتمع بوسائل سلمية إلى الأفضل. هذه الوثيقة جزء من المؤسسات الدينية التابعة للمجتمع المدني التابع لمنظومة الدولة الحديثة.
عزت عبد المنعم هلال
مقترح منظومة الدولة الحديثة


 
من منشورات
فبراير 2015

 

Tuesday, February 17, 2015

حوار مع الشيخ محمد الغزالي عن الإسلام دين ودولة


حوار مع الشيخ محمد الغزالي عن الإسلام دين ودولة


 
في قضية مقتل الصحفي فرج فودة سأل الدفاع: هل الإسلام دين ودولة؟ وما معنى هذه المقولة؟ فكان رد الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله (): الإسلام عقيدة وشريعة وعبادات ومعاملات وإيمان ونظام ودين ودولة ... ومعنى هذه المقولة ذكرته الآية الشريفة: «... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿89 النحل 16﴾»، كما قال الله تعالى: «أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَمًۭا وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَٰبَ مُفَصَّلًۭا ۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٌۭ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ ﴿114 الأنعام 6﴾»، فالإسلام دين شامل منذ بدأ من خمسة عشر قرنا، وهو دين ودولة لم تنفصل السلطة الزمنية عن المعاني الروحية، ... إلى أن قال ... وأنه لم يترك شيئا إلا وتحدث فيه، ما دام هذا الشيء يتصل بنظام الحياة وشئون الناس.
***
لمناقشة هذه الأقوال نسأل متى لم تنفصل السلطة الزمنية عن المعاني الروحية؟ هل أثناء حياة النبي؟ أم في عصر الخلفاء الراشدين؟ أم في العصور الملكية من أموية وعباسية أو فاطمية إلى أن انتهت الخلافة الإسلامية في العصر العثماني في 29 أكتوبر سنة 1923م؟ ربما نختلف مع شيخنا الجليل الدكتور محمد الغزالي يرحمه الله في ارتباط السلطة الزمنية مع المعاني الروحية. فقد عاش هذا الارتباط فقط في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ومات الرسول وانقطع الوحي وعاش الناس مع رسالة دينية لن تموت أبدا وإلى أن تقوم الساعة، ودنيا يملكونها ويطورونها حتى في نظام الحكم ذاته الذي اختلف بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، بدئا من الخلفاء الراشدين إلى أن تحول إلى ملكية ينتهي حكمها بانقلاب عسكري دموي لتنتقل السلطة إلى أسرة أخرى. أتفق مع شيخنا أن الإسلام كان دينا ودنيا ولكن بمفهوم آخر يختلف عن مفهومه "أن الإسلام يضم كل الدين وكل الدنيا". فهل يحتوي القرآن قانون المرور مثلا؟ وما هي نسبة أحكام التعزير التي وضعها بشر لم ينزل عليهم وحي، إلى نسبة أحكام القرآن أو نسبة أحكام الرسول؟

 

مناقشة الآية الأولي

... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿89 النحل 16﴾
فمن المؤكد أن القرآن ليس فيه كل شيء في الدين والدنيا. نقرأ الآيات لنعرف ما المقصود بكل شيء في القرآن الكريم؟ جاءت عبار "كل شيء" في عدد 116 آية. جاءت عن أسماء الله الحسنى: القدير (37) والعليم (24) والشهيد (8) والخالق (7) والوكيل (3) والحي والملك والمحصي والمحيط والحفيظ والرحمن (2) والمقيت والحسيب والرقيب والبصير والمقدر والمقتدر والرب (1). أما باقي التكرارات فقد جاءت لتعبر عن نطاق عمل محدد، وليس الشمول الذي جاءت به أسماء الله الحسنى.
فقول الله تعالى عن سليمان «أُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْء» لا تعني كل ما في الوجود وإلا ما انفصل عنها «عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ» وهو جزء من كل شيء، وقد وصف الله جل جلاله ملكة سبأ بأنها «أُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ» فالشيء الذي أوتيت به ملكة سبأ غير الشيء الذي أوتي به سليمان.
وَوَرِثَ سُلَيْمَٰنُ دَاوُۥدَ ۖ وَقَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ
ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ
﴿16﴾
إِنِّى وَجَدتُّ ٱمْرَأَةًۭ تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌۭ ﴿23﴾
وقوله تعالى «تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ» في سورة الأحقاف لم تعني تدمير كل الوجود ولكنها قاصرة على قوم عاد فقط فلا يُرى إلا مساكنهم فلم يشملها التدمير.
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًۭا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا۟ هَٰذَا عَارِضٌۭ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِۦ ۖ رِيحٌۭ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿24﴾ تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍۭ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا۟ لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَٰكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴿25﴾ ﴿الأحقاف 46﴾
وعن ذو القرنين يقول الله تعالى أنه «وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ سَبَبًۭا» فهل أوتي علم الأسباب كله أم جعله الله يستخدم العقل ليستنبط القوانين لما يتعرض له من مشكلات كالسد الذي بناه.
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِى ٱلْأَرْضِ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ سَبَبًۭا
﴿84﴾ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴿85﴾
﴿الكهف 18﴾
في سورة الأنعام التالية «أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْء» تعنى أن الله أنعم عليهم نعما بالغة فيكون غيابها نقمة لهم. وهذه كناية عن النعم البالغة وليس من الضروري أن تكون كل النعم بل يكفي النعم الظاهرة في زمانهم.
فَلَوْلَآ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا۟ وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿43﴾ فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ
حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَآ أُوتُوٓا۟ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةًۭ فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴿44﴾
﴿الأنعام 6﴾
وفي سورة الإسراء يقول الله تعالى «كُلَّ شَىْءٍۢ فَصَّلْنَٰهُ تَفْصِيلًۭا» فماذا فصَّل الله جل جلاله «فَصَّلْنَٰهُ» تفصيلا؟
وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ ٱلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةًۭ لِّتَبْتَغُوا۟ فَضْلًۭا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍۢ فَصَّلْنَٰهُ تَفْصِيلًۭا
﴿12﴾ وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلْزَمْنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِى عُنُقِهِۦ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ كِتَٰبًۭا يَلْقَىٰهُ مَنشُورًا
﴿13﴾ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًۭا ﴿14﴾ مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌۭ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًۭا ﴿15﴾
﴿الإسراء 17﴾
هل هما «عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ»؟ أم السبب في تعلمنا عدد السنين والحساب وهو اختلاف الليل والنهار؟ أم هو القرآن كما جاء في الآية 9 قبلها؟
إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى
لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًۭا كَبِيرًۭا ﴿9﴾
أم أنها الهداية التي جاء بها القرآن الكريم «يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ»؟ أم هي البشرى للمؤمنين «وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ»؟ أم أنه الكتاب الذي سيخرجه لنا الله يوم القيامة «كِتَٰبًۭا يَلْقَىٰهُ مَنشُورًا»؟ الذي يضم سجلا كاملا بالأعمال في الدنيا، وهذا يكفينا الحساب «كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًۭا». وتكون النتيجة «مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌۭ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًۭا ﴿15﴾». ما فصله الله لنا تفصيلا هو الهداية التي جاءت في القرآن الكريم وجعلتنا نتعلم الحساب ونحصي أعمالنا الصالحة فبها سيكون لنا «أَجْرًۭا كَبِيرًۭا». فلا يعقل أن يكون في القرآن الكريم المحدود الصفحات كل تفاصيل الحياة. وقد جاء الإحصاء في موضع آخر من سورة النبأ:
إِنَّهُمْ كَانُوا۟ لَا يَرْجُونَ حِسَابًۭا ﴿27﴾ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا كِذَّابًۭا ﴿28﴾ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ
كِتَٰبًۭا ﴿29﴾ فَذُوقُوا۟ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ﴿30﴾
﴿النبإ 78﴾
فأعمال الإنسان مسجلة في كتاب فلا يحتاج إلى الحساب فسيرى يوم القيامة اعماله. وفي مجال التفصيل الذي جاء به الله تعالى لنا، نقرأ في سورة يوسف.
حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓا۟ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا۟ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴿110﴾ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌۭ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًۭا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ ﴿111﴾ ﴿يوسف 12﴾
ففي قصص الرسل جميعا «تَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍۢ» وهو ذاته «هُدًۭى وَرَحْمَةًۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ». هذا هو الهدى الذي جاء به القرآن وعير عنه ب «كُلِّ شَىْءٍۢ». وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بحرم آمن يجبى إليه «ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَىْءٍ».
إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴿56﴾ وَقَالُوٓا۟ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًۭا يُجْبَىٰٓ إِلَيْهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَىْءٍۢ رِّزْقًۭا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿57﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍۭ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَٰكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّنۢ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًۭا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَٰرِثِينَ ﴿58﴾ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِىٓ أُمِّهَا رَسُولًۭا يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى ٱلْقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَٰلِمُونَ ﴿59﴾ ﴿القصص 28﴾
نلك إذن هي مهمة الرسل حتى لا يكون للناس حجة بعد الرسل. وهذا نفسه التفصيل الذي جاء في التوراة:
ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِىٓ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ
وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ
﴿154 الأنعام 6﴾
وَكَتَبْنَا لَهُۥ فِى ٱلْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ مَّوْعِظَةًۭ وَتَفْصِيلًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍۢ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا۟ بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُو۟رِيكُمْ دَارَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴿145 الأعراف 7﴾
وهو نفسه التفصيل الذي جاء في القرآن الكريم:
ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَٰهُمْ عَذَابًۭا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ يُفْسِدُونَ ﴿88﴾ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
﴿89﴾ ۞ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلْإِحْسَٰنِ وَإِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَٱلْبَغْىِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿90﴾ وَأَوْفُوا۟ بِعَهْدِ ٱللَّهِ
إِذَا عَٰهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا۟ ٱلْأَيْمَٰنَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴿91﴾ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثًۭا تَتَّخِذُونَ أَيْمَٰنَكُمْ دَخَلًۢا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
﴿92﴾ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَلَتُسْـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿93﴾
﴿النحل 16﴾
فهو تبيان لأمر الله ب«ٱلْعَدْلِ» و«ٱلْإِحْسَٰنِ» و«إِيتَآئِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ» ونهيه عن «ٱلْفَحْشَآءِ» و«ٱلْمُنكَرِ» و«ٱلْبَغْىِ» والوفاء «بِعَهْدِ ٱللَّهِ» ولم يأتي بتفاصيل الأمور المعيشية يل بوصايا عامه. جاء الإسلام بهذه القيم العليا كما جاء بأمور الدين لا الدنيا كما توضحه الآية التالية:
ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ
فَٱتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
﴿18 الجاثية 45﴾
والأمر هو كل الأمور السابق ذكرها من مكارم الأخلاق فهي مكملة للدين. فإن اختلفتم في الدين «وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» وهو ما تؤكده الآية السابقة مباشرة:
وَءَاتَيْنَٰهُم بَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ ۖ فَمَا ٱخْتَلَفُوٓا۟ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
﴿17﴾
لأن الحساب على الدين لا يكون إلا يوم القيامة فقط وليس في الدنيا «يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ».

 

أما الآية الثانية

أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَمًۭا وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَٰبَ مُفَصَّلًۭا
ۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٌۭ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
﴿114 الأنعام 6﴾
«أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَمًۭا» حكَما لماذا؟ هل حكما لكل شيء في الوجود، الدين والدنيا؟ يقول تعالى «وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَٰبَ مُفَصَّلًۭا» أي أننا سنجد حكم الله جل جلاله في الكتاب المفصل وهو القرآن الكريم. التفاصيل تعنى كل شيء عن الموضوع. فهل حوى القرآن الكريم كل تفاصيل الحياة الدنيا؟ لا شك أننا نعلم أننا نعيش في عالم مختلف عن العالم الذي عاش فيه الرسول عليه الصلاة والسلام. بل نعيش في عالم مختلف عما حدث في السنة الماضية. فلابد أن التفصيل هنا تخص الدين وحده. ولم يتغير الدين منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة. ولكن عالمنا يتغير بقدر ما يصل إليه علمنا. وقد خلق الله الكون وهو آية من آياته كما أنزل إلينا رسالته التي تخبرنا بوجوده وتهدينا إلى أن نشق حياتنا في هذه الدنيا بهدي الكتاب. فالكتاب موجود بين أيدينا، في عالم الشهادة، نقرأه كما نقرأ الظواهر الطبيعية في الكون. كل له مجاله، القرآن نعرف منه الدين ومكارم الأخلاق والكون نعرف منه الدنيا القوانين، سواء كانت ظواهر الطبيعة أو القوانين التي نتحاكم بها، وأساليب الحكم. القرآن لا يغني عن آلاف الكتب التي ألفها البشر عن الكون ولكنه الكتاب الوحيد الذي يتحدث عن الدين وهو من تأليفه سبحانه وتعالى للتعريف به وهداية الناس كما وصفه الله جل جلاله في أول سورة البقرة «ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًۭى
لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾
». فما هو الهدى الذي ذكره الله في الآية الخامسة «أُو۟لَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًۭى
مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴿5﴾
»؟ فما هو ذلك الهدى؟
ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴿3﴾ وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلْـَٔاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿4﴾
حياتنا في الدنيا بين خيارين فمن تبع هدى الله فهو المهتدي.
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ﴿5﴾ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ﴿6﴾ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْرَىٰ ﴿7﴾ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ ﴿8﴾ وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ ﴿9﴾ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْرَىٰ ﴿10﴾ وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ ﴿11﴾ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ
﴿12﴾
﴿الليل 92﴾
وقد جاءت كلمة "هدى" في القرآن في 91 آية. وتبدأ الهداية من نزول عائلة أدم عليه السلام من الجنة إلى الأرض مكان الاختبار:
قُلْنَا ٱهْبِطُوا۟ مِنْهَا جَمِيعًۭا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًۭى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿38﴾ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴿39﴾﴿البقرة 2﴾
وتستمر إلى آخر الأنبياء محمد عليه السلام؟
نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ ﴿3﴾ مِن قَبْلُ هُدًۭى
لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌۭ شَدِيدٌۭ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌۭ ذُو ٱنتِقَامٍ ﴿4﴾
﴿آل عمران 3﴾
فيبقى هاديا إلى أن تقوم الساعة.
ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا۟ دِينَهُمْ لَهْوًۭا وَلَعِبًۭا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا ۚ فَٱلْيَوْمَ نَنسَىٰهُمْ كَمَا نَسُوا۟ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ ﴿51﴾ وَلَقَدْ جِئْنَٰهُم بِكِتَٰبٍۢ فَصَّلْنَٰهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًۭى
وَرَحْمَةًۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ ﴿52﴾ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُۥ ۚ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُۥ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُوا۟ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَفْتَرُونَ ﴿53﴾
﴿الأعراف 7﴾
فماذا تقول الآية في سياقها القرآني.
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍۢ قُبُلًۭا مَّا كَانُوا۟ لِيُؤْمِنُوٓا۟ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴿111﴾ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّۭا شَيَٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًۭا ۚ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴿112﴾ وَلِتَصْغَىٰٓ إِلَيْهِ أَفْـِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْـَٔاخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا۟ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ﴿113﴾ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَمًۭا وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَٰبَ مُفَصَّلًۭا ۚ وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنَزَّلٌۭ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
﴿114﴾ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًۭا وَعَدْلًۭا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴿115﴾ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴿116﴾ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴿117﴾ فَكُلُوا۟ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِـَٔايَٰتِهِۦ مُؤْمِنِينَ ﴿118﴾
﴿الأنعام 6﴾
إنها مشيئة الله التي جعلتنا مسلمين بمشيئته وليس بالمعجزات مثل «نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍۢ». ولمن لا يؤمنون بالآخرة «وَلِتَصْغَىٰٓ» أي لكي يميلون إلى «زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًۭا» الذي «يُوحِى» به «شَيَٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ»، «وَلِيَرْضَوْهُ» ويدّعوا ما هم مدعون، نقول لهم «أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَمًۭا» وقد «أَنزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَٰبَ مُفَصَّلًۭا». لقد «تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ» و
«لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ» ومنها نعرف اليوم الآخر ومآلنا إليه جل جلاله. فالكثير من أهل الأرض يتبعون «ٱلظَّنَّ» فعلومهم لا تؤكد وجود الآخرة. فهذا الكتاب هو البرهان الوحيد لوجود الله والعالم الآخر، أما المعارف والعلوم فهي مختصة بعالم الشهادة وهذا ما استخلف الله الإنسان عليه. فاستخدام المنطق للبرهان على وجود الله واليوم الآخر، من علوم الغيب، يُضل الناس ولا يهديهم.

 
عزت عبد المنعم هلال
كل ما أكتبه هو وجهة نظر يمكن أن تكون صوابا أو خطأ وأرجح صوابها ولذا كتبتها وهي دائما معروضة للحوار فإن ثبت خطئها فلا مانع من تصحيحها فلا يوجد أي مقابل لها يمنعني من الأخذ بعكسها. إنني على قناعة بأنه لا سلطة في الدين الإسلامي والوسيلة الوحيدة لنشر الإسلام هي:
ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴿125 النحل 16﴾
ولذا كانت وجهة نظرنا استبعاد المؤسسة الدينية من السلطة إلى المجتمع المدني تنتج فيها نخبة من الشعب وليست مفروضة عليه من السلطة. فلا يوجد أي حرج من الاختلاف مع إنسان له عندي تقدير خاص هو الشيخ محمد الغزالي. وكتابه " السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" أعاد الإسلام إلى القرآن الكريم ليكون له الكلمة الأولى في الإسلام.

 

من منشورات

فبراير 2015

Wednesday, February 11, 2015

إشكالات تطبيق الشريعة

إشكاليات تطبيق الشريعة

الإصدار: 2.0


 


 


 

عزت عبد المنعم هلال ()


 


 


 


 


 


أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴿24 محمد 47﴾


 

لقد كسرنا جميع الاقفال التي على القلوب وفتحناها لعلنا نفهم رسالة الله الخالدة. وتحَرّرنا من كل القيود واجتهدنا. هذه الدراسة اجتهاد بشري قد يصيب وقد يخطئ نفتح به حوارا كي نفهم رسالة الله الخاتمة، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة.


 

عزت عبد المنعم هلال


 


 


 

جــــــدول المحتويات

إشكاليات تطبيق الشريعة

مقدمـة

ما هي الشريعة؟

إشكالية السلطة

إشكالية من لم يحكم بما أنزل الله

إشكالية الإمامة

إشكالية الرسالة والنبوة

إشكالية الكمال

إشكالية الحرية الدينية

إشكالية الوساطة

إشكالية الثابت والمتغير

إشكالية الحدود

الخلاصة


 

مقدمـة


 

يدور الجدل في الأروقة السياسية عن تطبيق الشريعة الإسلامية. وتتبنى الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية (تيار الإسلام السياسي) هدف تطبيق الشريعة الإسلامية، بينما تقول الأحزاب المدنية الأخرى أنها أيضا ذو مرجعية إسلامية وأن الشريعة الإسلامية بالفعل مطبقة. فما حقيقة الموقف السياسي من الشريعة؟ بل ماذا يقول لنا القرآن عن الشريعة؟ وهل يجوز لأحد أن يطبق الشريعة الإلهية جبرا على الناس؟ أسئلة كثيرة دارات في عقلي، وأحاول هنا أن أبحث عن إجابتها. انتهى رأيي أنه لا هذا ولا ذاك على صواب. وربما يكون رأيي أيضا قد جانبه الصواب. مسألة الخلافة لا زالت محل خلاف. يرى البعض أنها فرض من فروض الإسلام، صحيح مسلم 3|1478 كتاب الإمارة «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» بينما يرى البعض أن الإسلام ترك مسألة شكل الحكم وتولية الناس للحاكم. ولا يقتصر الأمر على تنصيب رأس الدولة بل على القانون الذي يتحاكم به الناس في الدنيا. هل هو خالص لله؟ أم تركه للعباد؟ يضعون القوانين والنظم التي تنظم حياتهم وتحقق مطالب الشريعة في تحقيق الحرية والعدالة والقيم الإنسانية العليا.


 

الموضوع شائك، وليس سهلا في ظل ثقافة متأصلة بعمر أربعة عشر قرنا على الأقل. ولأنها مسألة معقدة فكان لزما علينا تفكيكها لتحليل مكوناتها ودراسة العلاقات بينها ومن ثم إعادة تركيبها وفقا للمفاهيم التي نتصور أنها صحيحة. وقد يكون جانبنا الصواب أو أغفلنا بعض مكونات المسألة أو غاب عنها علاقة مهمة. ولذلك فهذه الورقة لم تنتهي بعد وهي مفتوحة للحوار، فنحن نتعلم من الحوار، وسيضاف نتيجة هذه الحوارات في إصدارات متتابعة.


 

نبدأ بتعريف الشريعة نفسها، ما هي الشريعة؟ وهل الشريعة التي شرعها الله هي تلك التي يتحدث عنها حزب النور السلفي وباقي أحزاب تيارات الإسلام السياسي وباقي الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية؟ شريعة الله ليست هي شريعة حزب النور السلفي وإن كان تربطهما علاقة ما فلا يوجد في الوجود كيانات منعزلة وعلينا أن نكتشف تلك المنظومة المتناسقة التي أبدعها الخالق فإن أحدثنا أي خلل فيها فستفسد الأمور وقد يحدث الانهيار فما قوم لوط منكم ببعيد «وَيَٰقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِىٓ أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَٰلِحٍۢ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍۢ مِّنكُم بِبَعِيدٍۢ ﴿89 هود 11﴾». وتتعرض هذه الدراسة إلى العديد من الإشكاليات مثل: إشكالية السلطة وتبحث في السلطة الدينية والسلطة الدنيوية. أما في إطار إشكالية من لم يحكم بما أنزل الله في آيات سورة المائدة، فهذه الآيات هي التي يحتج بها العلماء للدلالة على حكم الله الذي يطلبه الله من المسلمين؟ فهل حدد الله في كتابه الكريم من يطلب منه أن يحكم بما أنزل؟ الحكم مطلوب من النبي، عليه الصلاة والسلام، ليفصل في قضية أساسية بينه وبين اليهود والنصارى هي قضية الألوهية لله جل جلاله وهي قضية واحدة لجميع الأديان الثلاثة. وفي إشكالية الإمامة نبحث في دور الإمام الباقي لنا بعد غياب الرسول والنبي. الدولة ليست كالأمة وقد جاء الإسلام للأمة. الدولة تقوم على أرض معينة بينما الأمة لا أرض لها. كما يمكن إطلاقها على عدد قليل من البشر كما يمكن إطلاقها على عدد غفير من البشر. الدولة قد تكون متعددة الديانات ولكن الأمة يجب أن تتفق على مذهب عقيدي واحد. وقد تكون على رجل عظيم. وقد تأتي بمعنى المدة الزمنية. الإمامة هي الزعامة التي يعطيها الناس لبعض منهم، فإن جاء اختياراتهم كخيار الله عز وجل صلح أحوالهم وإن خالفته ساءت أحوالهم. قال تعالى لإبراهيم «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ». وفي إشكالية الرسالة والنبوة نبحث في قضية انتهاء الرسالة والنبوة بموت محمد عليه الصلاة والسلام. مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍۢ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًۭا ﴿40 الأحزاب 33﴾. فما الفرق بين الرسول والنبي؟ الرسول كانت مهمته الأساسية هي التبليغ عن رسالة الله. أما النبي فهو قائد لجماعة من البشر في وقت ما، مؤيد من الله جل جلاله لتبليغ رسالة الرسول المعاصر أو رسالة من سبقه من الرسل. وتقتصر مهمته على القوم الذي يعيش بينها ولا تتعداها. فالرسالة تعيش منذ خلق آدم عليه السلام وإلى أن تقوم القيامة فلا تتغير فالله واحد لا يتغير. أما النبي فرسالته لا تتعدى القوم الذي يعيش بينهم وتتوافق مع ظروف معيشتهم. وإشكالية الكمال وتبحث في مفهوم كمال رسالة الله إلى البشر وتبرئتها من النقص والتناقض والتعارض بين مكوناتها فالرسالة من وجهة نظرنا رسالة كاملة لا تحتاج إلى أي كيانات خارجها، وإن كانت تربطها بما هو خارجها علاقات وثيقة، وفي إشكالية الحرية الدينية نأتي إلى تناقض ظاهري واضح بين حق الناس في اختيار دينهم. كفل الله حرية الاعتقاد للإنسان «فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ» مع توعد الظالمين بالنار ... حتى المشركون في مكة أقر منذ البداية على حرية الاعتقاد لهم «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ
﴿6 الكافرون 109﴾». فلا معنى للردة وقتل المرتد، ونأتي إلى إشكالية الوساطة بين العبد وربه ومفهوم الرسول والنبي والإمام والكاهن والعالم في الإسلام. ثم نتعرض لإشكالية الثابت والمتغير فقد عاش القرآن بيننا خمسة عشر قرنا وسيعيش إلى أن تقوم الساعة دون تعديل أو تبديل، ذلك لأنه بعيد عن الجمود والحركية حتى في زمن الوحي هي من أهم مميزاته وسنكتشف بتدبر النص القرآني كيفية الارتقاء المنظومية للمجتمع الإنساني. ونأتي إلى آخر الإشكاليات في دراستنا وهي إشكالية الحدود وهي الإشكالية الكبرى التي يعتمد عليها كل المنادون بتطبيق الشريعة.

هذه الإشكاليات العشرة ليست حصرا كاملا لمباحث تطبيق الشريعة وربما يسفر الحوار الذي سنجريه عن مسائل أخرى تستحق البحث والدراسة. فكل ما في هذه الدراسة قابل للتغيير والتعديل فهو فكر إنساني. وليس لأي إنسان أن يدعي أنه وصل إلى الحقيقة المطلقة. نحن البشر نجتهد وفق أدواتنا للتعبير عن الحقيقة بأكبر قدر متاح من الدقة. وستظل دوما تقريبية. لن تقف الدراسة عند الإصدار الأول ولن تنتهي مطلقا فالإبداع الفكري لا ينتهي. وأرجو ممن يشارك في الحوار أن يرسل لي نبذة مختصرة عن سيرته الذاتية حتى يكون التوثيق واقعيا ومتواصلا مع قرَّاء هذه الدراسة.


 

سيدعى البعض أنني لست من أهل الاختصاص للحديث عن هذه المسائل المهمة في حياة كل المسلمين. وهي حجة الشيوخ، فهم وحدهم الذين لهم الحق الوحيد للحديث عن الدين. فمن أعطى لهم هذا الحق؟ هل العلماء هم ورثة الأنبياء، لهم أن يشرعوا لنا في حياتنا. أم أنها قسمة بين أهل الحكم وأهل العلم كما يحدث في السعودية. أم أنها ولاية الفقيه؟
يقولون ان الطبيب لا يمكن أن يمارس مهنة الطب إلا بعد الحصول على ترخيص بمزاولة المهنة، وأن المهندس لا يعمل في مجال الهندسة إلا بعد الحصول على ترخيص بمزاولة المهنة، ويتناسون أن الدين الإسلامي ليس مهنة مثل الطب والهندسة. وكل الرسل كانت حجتهم «يَٰقَوْمِ لَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱلَّذِى فَطَرَنِىٓ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿51 هود 11﴾». ومن المناسب أن تستبدل تبعية المساجد في جميع الأحياء إلى جمعيات أهلية يقوم الناس فيها باختيار خطيب المسجد وإمام المسجد من الطبيب والمهندس والمعلم وغير ذلك. أي يختار الناس من بينهم قياداتهم من بينهم. ولا شك أن البحث العلمي في أمور الدين لا يجب أن ينقطع وهذا تتولاه الجامعات وعلى رأس هذه الجماعات بلا شك جامعة الأزهر الشريف. فيكون المتخصص في نظم المعلومات أحد أهم الباحثين في هذا المجال الحيوي. وهذا ما يحدث الآن بالفعل من خلال البحث في أنطولوجيات العلاقات البينية والتراكيب اللغوية ومباحث منظومات المعلوماتية.


 

حاولت في هذه الرسالة أن أتبع المنهج اللفظي الذي طوره العراقي عالم سبيط النيلي () وما أضافه الباحث العراقي قصي خالد الموسوي () للمنهج اللفظي ومن مصر تبقى أعمال المهندس محمد خليفة () تأصيلا للعاملين في مجال استخدام المنهج اللفظي. كما أتوجه بالشكر للصديق الدكتور محيي الدين عبد الغني () على ملاحظاته القيمة التي أرسلها لي. وسيتم مناقشة كل ما يصلنا من أفكار ضد عدم وجود سلطة سياسية ومفهوم الدولة ومؤسساتها التي أقرها الإسلام حتى وإن كان مناهضا لفكرة الكتاب الأساسية، أن الفكر الإسلامي ينتشر مثل الثقافة بين الناس ولا تحتاج إلى سلطة تحميها.


 



ملخص: ما هي الشريعة؟


 

ما هي الشريعة؟ أنزل الله في كتابه الكريم خمسة مشتقات من الجذر «شَ رَ عَ» وكلها لا تعني أي شرع في الدنيا «شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ» أي من الدين لا الدنيا. والشريعة في كلام العرب: مَشْرَعَة الماء، وهي مَوْرد الشاربة فيشربون منها ويستقون... ۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًۭا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُوا۟ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ ٱللَّهُ يَجْتَبِىٓ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِىٓ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴿13 الشورى 42﴾. أَمْ لَهُمْ شُرَكَٰٓؤُا۟ شَرَعُوا۟ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿21 الشورى 42﴾. وَسْـَٔلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًۭا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا۟ يَفْسُقُونَ ﴿163 الأعراف 7﴾. وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةًۭ وَمِنْهَاجًۭا ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًۭا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿48 المائدة 5﴾. ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿18 الجاثية 45﴾.


 


 

ملخص: إشكالية السلطة


 

السلطة في الدين هي سلطة دينية لا دنيوية. في الدين نحن لا نعرف إلا جزبين لا ثالث لهما ... حزب الله في مقابل حزب الشيطان. أما في الحياة الدنيا فلنا أن نختار بين عدة أحزاب كل منها له منهجه وأسلوبه في إصلاح الدنيا. ومن هنا جاء علماء الدين بأنه لا أحزاب في الإسلام.


 


 

ملخص: إشكالية من لم يحكم بما أنزل الله


 

هذه الآيات هي التي يحتج بها العلماء للدلالة على حكم الله الذي يطلبه الله من المسلمين؟ فهل حدد الله في كتابه من يطلب منه أن يحكم بما أنزل؟ الحكم مطلوب من النبي، عليه الصلاة والسلام، ليفصل في قضية أساسية بينه وبين اليهود والنصارى هي قضية الألوهية لله جل جلاله وهي قضية واحدة لجميع الأديان الثلاثة. يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا بِأَفْوَٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ ۛ سَمَّٰعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِنۢ بَعْدِ مَوَاضِعِهِۦ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُوا۟ ۚ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُۥ فَلَن تَمْلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا ۚ أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌۭ ۖ وَلَهُمْ فِى ٱلْـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌۭ ﴿41﴾.


 


 


 

ملخص: إشكالية الإمامة


 

الدولة ليست كالأمة وقد جاء الإسلام للأمة. الدولة تقوم على أرض معينة بينما الأمة لا أرض لها. كما يمكن إطلاقها على عدد قليل من البشر كما يمكن إطلاقها على عدد غفير من البشر. الدولة قد تكون متعددة الديانات ولكن الأمة يجب أن تتفق على مذهب عقيدي واحد. وقد تكون على رجل عظيم. وقد تأتي بمعنى المدة الزمنية. الإمامة هي الزعامة التي يعطيها الناس لبعض منهم، فإن جاء اختياراتهم كخيار الله عز وجل صلح أحوالهم وإن خالفته ساءت أحوالهم. قال تعالى لإبراهيم «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ».


 

ملخص: إشكالية الرسالة والنبوة


 

ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين. فما الفرق بين الرسول والنبي؟ الرسول كانت مهمته الأساسية هي التبليغ عن الله. أما النبي فهو زعيم مؤيد من الله جل جلاله لتبليغ رسالته أو رسالة من سبقه من الرسل. وتقتصر مهمته على القوم الذي يعيش بينها ولا تتعداها. فالرسالة تعيش منذ خلق آدم عليه السلام وإلى أن تقوم القيامة. أما النبي فرسالته لا تتعدى القوم الذي يعيش بينهم وتتوافق مع ظروف معيشتهم.


 

ملخص: إشكالية الكمال


 

ححُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا۟ بِٱلْأَزْلَٰمِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ۚ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًۭا ۚ فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍۢ لِّإِثْمٍۢ ۙ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿3 المائدة 5﴾


 

قال الله تعالى «ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ». بعد قوله تعالى في آية واحدة ما حرم على المسلمين. بهذه المحرمات قد أكمل الله لنا الدين «ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًۭا». ثم استأنف بعدها جل جلاله «فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍۢ لِّإِثْمٍۢ ۙ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ».


 

ملخص: إشكالية الحرية الدينية


 

كفل الله حرية الاعتقاد للإنسان «فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ» مع توعد الظالمين بالنار ... حتى المشركين في مكة أقر منذ البداية على حرية الاعتقاد «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ﴿6 الكافرون 109﴾». فلا معنى للردة وقتل المرتد.


 

ملخص: إشكالية الوساطة


 

أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُفَعَآءَ
ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا۟ لَا يَمْلِكُونَ شَيْـًۭٔا وَلَا يَعْقِلُونَ ﴿43﴾ قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعًۭا ۖ لَّهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿44﴾ ﴿الزمر 39﴾


 

الشفاعة كانت من أكبر ما اهتم الناس على إبرازها رغم قول الله تعالى «قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعًۭا» أبعد هذا القول الواضح الصريح من الله جل جلاله نجد من يقول بوجود شفعاء. هذه دراسة لموضوع الوساطة فالوسيط الذي سمح الله لنا نحن المسلمون هو العمل الذي نقوم به في الدنيا. هو نفسه ما يشفع لنا في آخرتنا.


 

ملخص: إشكالية الثابت والمتغير


 

الثابت هو القرآن الكريم رسالة الله إلى البشر، والمتغير هو دنيانا وفهمنا لرسالة الله. هذا القرآن الذي نزل على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم رسالة لم تتغير إلى يومنا هذا ولن تتغير إلى أن تقوم الساعة فلنقرئها بأدواتنا واستخدام التراكم المعرفي في علوم اللغة العربية وعلم المعلومات لاستكشاف الإعجاز البياني الذي لم ينتهي بعد إلى أن تقوم الساعة. فكما كان معجزا بالنسبة للأولين فهو كذلك معجز لنا نحن ولمن سيأتي بعدنا إلى أن تقوم الساعة. وعلينا أن ندعو بالحكمة والموعظة الحسنة ... ليس قتالا أو سلطة قمعية تسيطر على الناس «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِه».


 


 

ملخص: إشكالية الحدود


 

في الخلاصة لم يحدد الله عقوبات على من تخطى حدود الله وحرماته فكانت عقوبات في الآخرة فقط ... ولكنه أقر بوجوب العقاب للفاحشة «لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ فِى ٱلدُّنْيَا» ولكنه بصفة عامة لم يحدد العقوبات المفروضة بل تركها للإنسان نفسه يفرضها وفقا لتقديراته ولزمانه وظروف بيئته. وإلا لما نشأ في الفقه الإسلامي ما يسمى تعزيرا فهو حكم بشري جاء به الفقهاء لم ينزل به وحيا على الإطلاق.


 

دعوة للحوار


 

هذا اجتهاد بشري وفهمي لآيات الله في كتابه الكريم وهو قابل للحوار فكل كتاب الله محكم ويجب الاتفاق عليه فنحن نقبل الاختلاف السياسي ولا نقبل الاختلاف الديني. فمن يجد في قولنا انحرافا عليه أن يرسل لنا ويقبل الحوار بالعقل وبالقرآن فكلنا يؤمن بالقرآن وبالعقل.

أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴿24 محمد 47﴾


 


 

عزت عبد المنعم هلال

eahelal@gmail.com

القاهرة


 

شرائح العرض للموضوع تجدها على الرابط التالي:

https://onedrive.live.com/view.aspx?Bsrc=Share&Bpub=SDX.SkyDrive&resid=ACD52615939E1CB6!2204&cid=acd52615939e1cb6&app=PowerPoint&authkey=!AtEFZSx0vCUAGVI

ويمكنك طلب نسخة من المقال في صيغة بي دي إف أو وورد أو النسخة الأصلية لشرائح العرض من عزت هلال بإرسال رسالة إلى البريد أعلاه.

http://islam.misrians.com/issues/sharia?probematics_of_sharia_application.pdf


 


 


 

من منشورات


نوفمبر 2014


 

حوارات عن إشكاليات تطبيق الشريعة:


 

كتاب "إشكالات تطبيق الشريعة" يقدم عرضا لعشرة إشكالات تنفي أن الإسلام ليس فيه سلطة ولكنه منهج يدعوا إلى التوحيد وقيم أخلاقية عليا بالحكمة والموعظة الحسنة. دعوة للحوار حول الموضوع وسيتم عرض الإشكالات العشرة كل على حدة في مقالات تفصيلية. "إشكالية تطبيق الحدود" من الإشكالات التي يدعي البعض أنها توجب من يقوم على تطبيق الشريعة، ولكن فلنسأل سؤالا واحدا هو: ما الشريعة التي ينسبونها إلى الله؟ ... ماذا أنزل الله منها؟ أعلى نسبة لما يقال عنه الشريعة الإسلامية هو ما يطلق عليه "التعزير" وهو حكم من لم ينزل عليه وحي من الله، فهل هذا يعني أن الله أنزل شريعة يتحاكم الناس في قضاياهم الحياتية بها؟ ... أم أنها اجتهاد بشري ينسب زورا إلى الله جل جلاله. قال تعالى: «وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍۢ فَحُكْمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴿10 الشورى 42﴾» ولم يسأل أحد ما هو هذا الشيء؟ هل كل شيء يُرَد حُكمه إلى الله؟ فما هي خلافة البشر إذن؟ لابد من قراءة القرآن بشكل جديد يختلف قطعا عن القراءات السابقة التي جعلت للرسالة الأخيرة لها سلطة، بينما رفض الرسول عليه الصلاة والسلام عرض مكة له: «إن كان يريد مالا جعلناه أكثرنا مالا، وإن كان يريد جاها جعلناه سيدا علينا، إن كان يريد ملكا ملكناه علينا، إن أراد السلطان أعطيناه مفاتيح الكعبة» قائلا لعمه: «يا عمُ والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه». وبعد الهجرة إلى المدينة كان الرسول، عليه الصلاة والسلام، حاكما للمدينة وكبيرهم، مما جعل الأقدمون يجعلون كل سلوكه وحيا من السماء، فخلطوا بين الحكم والرسالة. ففي مجال الرسالة كان معصوما مثل باقي الرسل في البلاغ عن الله «وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ ﴿1﴾ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ﴿2﴾ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌۭ يُوحَىٰ ﴿4﴾ عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ﴿5﴾ ﴿النجم 53﴾». أما في مجال الاجتهاد فهو بشر يصيب ويخطئ ومن هذه الأمور هي أمور الدنيا والحكم وهي ما يطلب مشورة الناس. المشورة واجبه في أمور الدنيا، أما الدين فلا مشورة فيه «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍۢ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًۭا مُّبِينًۭا ﴿36 الأحزاب 33﴾». ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة، رضوان الله عليهم فى كثير من المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات وآراء واجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه، قبل الإدلاء بمساهماتهم فى الرأي، هذا السؤال الذي شاع فى السُّنة والسيرة: " يا رسول الله، أهو الوحي؟ أم الرأي والمشورة؟" فإن قال: إنه الوحي. كان منهم السمع والطاعة له، لأن طاعته هنا هى طاعة لله... وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة من هذا الأمر عن عقولهم. أما إن قال لهم الرسول، جوابًا عن سؤالهم، -: إنه الرأي والمشورة... فإنهم يجتهدون، ويشيرون، ويصوبون... لأنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس معصومًا، وإنما هو واحد من المقَدّمين فى الشورى والاجتهاد... ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى اجتهادات الصحابة كثيرة ومتناثرة فى كتب السنة ومصادر السيرة النبوية فمثلا: فى مكان القتال يوم غزوة بدر... وفى الموقف من أسراها... وفى مكان القتال يوم موقعة أُحد ... وفى مصالحة بعض الأحزاب يوم الخندق ... إلخ. وقصة رسول الله عن تأبير النخل، أي تلقيح النخل، قالَ: (لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا) فأخذ العرب بكلامه ولم تثمر النخل فلما بلغه ذلك قَالَ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ). وقد نزل الوحي لتصويب النبي في عدة مواقف من أمور الدنيا كان رأيه لم يكن صائبا مثل: «عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ﴿1﴾ أَن جَآءَهُ ٱلْأَعْمَىٰ ﴿2﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ﴿3﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰٓ ﴿4﴾ أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ ﴿5﴾ فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ ﴿6﴾ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ ﴿7﴾ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ ﴿8﴾ وَهُوَ يَخْشَىٰ ﴿9﴾ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ ﴿10﴾ كَلَّآ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌۭ ﴿11﴾ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ ﴿12﴾ فِى صُحُفٍۢ مُّكَرَّمَةٍۢ ﴿13﴾ مَّرْفُوعَةٍۢ مُّطَهَّرَةٍۭ ﴿14﴾ بِأَيْدِى سَفَرَةٍۢ ﴿15﴾ كِرَامٍۭ بَرَرَةٍۢ ﴿16﴾ ﴿عبس 80﴾» وأيضا «يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿1﴾ قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَٰنِكُمْ ۚ وَٱللَّهُ مَوْلَىٰكُمْ ۖ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ﴿2﴾ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِىُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَٰجِهِۦ حَدِيثًۭا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِۦ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُۥ وَأَعْرَضَ عَنۢ بَعْضٍۢ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتْ مَنْ أَنۢبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِىَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ ﴿3﴾ ﴿التحريم 66﴾» وكذلك «مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلْـَٔاخِرَةَ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ ﴿67﴾ لَّوْلَا كِتَٰبٌۭ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌۭ ﴿68﴾ ﴿الأنفال 8﴾» ولتصويب ما جري عليه العرف «قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَٰدِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ ﴿1﴾ ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَٰتُهُمْ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔى وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًۭا مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُورًۭا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌۭ ﴿2﴾ ﴿المجادلة 58﴾».

عزت هــلال


 

(1) من كتاب "فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في وجوب تعظيم الشريعة وتحكيمها" الطبعة الأولى 1402 ه - 2011 م؛ مطبعة اليسر؛ 20 شارع عبد العزيز عيسى، المنطقة التاسعة، الحي الثامن، مدينة نصر، القاهرة.

تقديم بقلم فضيلة الأستاذ الدكتور: الخشوعي الخشوعي محمد؛ أستاذ الحديث وعلومه ووكيل كلية أصول الدين؛ جامعة الأزهر الشريف؛ القاهرة. (صفحة 29)

يقول: "وقد قصر الله التشريع على نفسه فلا يتعداه إلى غيره كائنا من كان. وقد استند على قول الله جل جلاله: «إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ ﴿57 الأنعام 6﴾».

وهذا جزء من آية ونأتي ببعض الآيات لنعرف السياق والموضوع الذي تتحدث عنه الآيات:


قُلْ إِنِّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۚ قُل لَّآ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ ۙ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًۭا وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴿56﴾ قُلْ إِنِّى عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّى وَكَذَّبْتُم بِهِۦ ۚ مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِۦٓ ۚ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ ﴿57﴾ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّٰلِمِينَ ﴿58﴾ ﴿الأنعام 6﴾

فالأمر كما توضحه الآيات عن الوحدانية ردا على المكذبين الذين ينكرون الإسلام فكان الأمر للرسول أن يقول «لَّآ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ» وإلا أكون قد «ضَلَلْتُ إِذًۭا وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ». وما هو الأمر الذي يستعجلون به؟ فهل هو حكم قضائي في الدنيا؟ أم أنه قضية الإيمان بوحدانية الله التي ينكرونها؟ فكان الرد من الله «قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّٰلِمِينَ ﴿58﴾». إذن فالقضية ليست تحاكما بين الناس في قضايا دنيوية بل هي بلا شك قضية وحدانية الله.

ويستدل الدكتور: الخشوعي الخشوعي محمد بقول الله تعالى: «إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿40 يوسف 12﴾» وهذا أيضا جزء من أيه وإن كان فيها البيان واضحا من الله تعالى أن تكون العبادة لله الواحد وليس لغيره. وهذا جزء من تفسير الرسول يوسف عليه السلام لصاحبي السجن عندما استفتياه عن رؤياهم.

يَٰصَٰحِبَىِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌۭ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَٰحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴿39﴾ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسْمَآءًۭ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ
ۚ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿40﴾ يَٰصَٰحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُۥ خَمْرًۭا ۖ وَأَمَّا ٱلْـَٔاخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِۦ ۚ قُضِىَ ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴿41﴾
﴿40 يوسف 12﴾

وقبل تفسير رؤياهم قال لهم «ءَأَرْبَابٌۭ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَٰحِدُ ٱلْقَهَّار» فالحكم المطلوب هو العبودية لله وليس لأسماء سميتموها «مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسْمَآءًۭ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ».


 

وجاءت «إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» مرة ثالثة عندما أمر يعقوب أبناءه أن يدخلوا من أبواب متفرقه.

وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُوا۟ مِنۢ بَابٍۢ وَٰحِدٍۢ وَٱدْخُلُوا۟ مِنْ أَبْوَٰبٍۢ مُّتَفَرِّقَةٍۢ ۖ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ
ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
﴿67 يوسف 12﴾

وفي هذا تسليم مطلق لله والتوكل على الله في كل أعمالنا سواء في الدنيا أو الآخرة. التوكل هو تحري أمر الله وقوانينه في الدنيا وفهم معنى الخلافة ثم نترك النتيجة لله تعالى. ويبدوا أن يعقوب عليه السلام أعجبه كثرة أولادة فقال «وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء» فمثل هذا الغنى لم يعفيه من التسليم بحكم الله فهو نبي وليس كصاحب الجنتين حيث قال «وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ ظَالِمٌۭ لِّنَفْسِهِۦ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدًۭا ﴿35﴾ وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةًۭ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْرًۭا مِّنْهَا مُنقَلَبًۭا ﴿36﴾﴿الكهف 18﴾». هذا التسليم لا يعني أن الله وضع لنا قانونا في كل أمورنا في الدنيا وإلا لما استخلفنا في الأرض لنعمرها ونطورها.


 

(2) من كتاب "فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في وجوب تعظيم الشريعة وتحكيمها" الطبعة الأولى 1402 ه - 2011 م؛ مطبعة اليسر؛ 20 شارع عبد العزيز عيسى، المنطقة التاسعة، الحي الثامن، مدينة نصر، القاهرة.

تقديم بقلم فضيلة الأستاذ الدكتور: الخشوعي الخشوعي محمد؛ أستاذ الحديث وعلومه ووكيل كلية أصول الدين؛ جامعة الأزهر الشريف؛ القاهرة. (صفحة 30)


 

قال: وترد آية الشورى الأمر عند التنازع إلى الله تعالى؛ قال تعالى: «وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍۢ فَحُكْمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴿10 الشورى 42﴾» فما هو الشيء الذي يحكم فيه الله؟ هل كل شيء يُرَد حكمه إلى الله؟ فما هي خلافة البشر إذن؟ هل إذا اختلفنا في ملكية بيت أو قطعة أرض فسيفصل الله فيها؟ نعم بتحري العدل الذي وصانا الله به ولكننا لا نجد حلا في كتاب الله لمثل هذه المشاكل الدنيوية المتغيرة وفقا للزمان والمكان ولكنه حكمنا نحن البشر فيما استخلفنا الله فيه. لنقرأ الآيات قبل هذه الآية:

وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ وَلَٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِۦ ۚ وَٱلظَّٰلِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِىٍّۢ وَلَا نَصِيرٍ ﴿8﴾ أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ۖ فَٱللَّهُ هُوَ ٱلْوَلِىُّ وَهُوَ يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ ﴿9﴾ وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍۢ فَحُكْمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴿10﴾ ﴿الشورى 42﴾

أي أن الله شاء أن يجعلنا مختلفين. منا من يدخل في رحمة الله بطاعته سبحانه وتعالى، ومنا الظالمون وهؤلاء من لا ولي ولا نصير لهم. فالله هو الولي. ومن يريد أن يدخل في رحمته تعالى أن يسلم أمره إلى الله ويتوكل على الله. وهذا الخيار تكرر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم «وَهَدَيْنَٰهُ ٱلنَّجْدَيْنِ ﴿10 البلد 90﴾» إما أن يكون من أصحاب المرحمة أو الظالمون الكافرون بآياتنا:

ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْمَرْحَمَةِ ﴿17﴾ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ ﴿18﴾ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا هُمْ أَصْحَٰبُ ٱلْمَشْـَٔمَةِ ﴿19﴾ عَلَيْهِمْ نَارٌۭ مُّؤْصَدَةٌۢ ﴿20﴾﴿البلد 90﴾


 

سنوالي نشر حواراتكم فيما يلي ...