Monday, March 23, 2015

ما هي الشريعة؟


إشكاليات تطبيق الشريعة

ما هي الشريعة؟


 
عزت عبد المنعم هلال ()

 
يدور الجدل في الأروقة السياسية عن تطبيق الشريعة الإسلامية. وتتبنى الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية (تيار الإسلام السياسي) هدف تطبيق الشريعة الإسلامية، بينما تقول الأحزاب المدنية الأخرى أنها أيضا ذو مرجعية إسلامية وأن الشريعة الإسلامية بالفعل مطبقة. فما حقيقة الموقف السياسي من الشريعة؟ بل ماذا يقول لنا القرآن الكريم عن الشريعة؟ للإجابة عن هذا السؤال استخدمنا المنهج اللفظي () لتحليل ألفاظ القرآن الكريم الواردة بهذا الشأن. تكرر استخدام القرآن الكريم للتركيبات اللغوية للجذر (ش ر ع) خمسة مرات فقط لا غير. وفي إطار هذه الخمسة استخدامات حدد القرآن الكريم الدور الذي لا يجب أن يتجاوزه المسلمون في علاقتهم مع الله جل جلاله والدين المرسل لهم ودنياهم التي يعيشون فيها.


 

الشريعة في اللغة

المعنى المحوري في المعجم الاشتقاقي لمحمد حسن جبل (): شق منفذ إلى الماء (أو المائع الطيب المُرْوي) للتناول بتمكن واتساع ودوام. الشِرعة -بالكسر، والشريعة في كلام العرب: مَشْرَعَة الماء، وهي مَوْرد الشاربة (أي المكان الذي ينزلون منه إلى ماء النهر) فيشربون منها ويستقون. وربما شرّعوها دوابَّهم حتى تشرعها وتشرب منها، والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون (الماء) عِدًّا لا انقطاع له، ويكون ظاهرا مَعِينًا لا يُسْقى بالرشاء. شرعت الدواب في الماء أي دخلت. شرع الوارد: تناول الماء بفيه (أي كما تشرع البقر والجواميس في النهر لتشرب).
وفي المعجم الوسيط () نقرأ المعاني التالية:
(شرَع) اللهُ الدِّينَ: سنَّه وبيَّنه، أوضحه وأظهره
(شرع) الأمر: جعله مشروعاً مسنونا
(شرَع) المُشرِّعُ الأمرَ: جعله مُباحًا
(اشْتَرَعَ) الشريعةَ: سَنَّها. واتبعها. يقال: اشترع شِرْعة فلانٍ: تَبع نهجه
(التشْريعُ): سَنُّ القوانين.
(المَشْرُوعُ): ما سوَّغَهُ الشَّرْعُ.
جاءت مشتقات الجذر (ش ر ع) في خمسة مواضع في القرآن الكريم. جاءت في صيغة حال «شُرَّعًا» للفعل تأتيهم، وجاءت في صيغة الفعل الماضي مرتين «شَرَعَ» و «شَرَعُوا»، وجاء اشتقاقين في صيغة الاسم «شِرْعَةً» و «شَرِيعَةٍ».

 

في صيغة الحال «شُرَّعًا»

يقول الله تعالى:
وَسْـَٔلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًۭا
وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا۟ يَفْسُقُونَ ﴿163 الأعراف 7﴾
وجاء هذا الاشتقاق كحال «شُرَّعًا» للفعل يأتي «تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا»، أي جاءت واضحة ظاهرة بيّنه لا تخطئها عين. فمن الواضح أن أسماكهم كانت تأتيهم يوم أجازتهم (السبت) واضحة وظاهرة. فالشريعة هي الموضحة والدالة على الشيء، كشراع السفينة.

 

في صيغة الفعل «شَرَعَ» و «شَرَعُوا»

أما في صيغة الفعل فقد جاءت على لسان نوح «شَرَعَ» وعلى لسان الكفار «شَرَعُوا». يقول الله تعالى:
شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ
مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًۭا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُوا۟ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ ٱللَّهُ يَجْتَبِىٓ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِىٓ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴿13 الشورى 42﴾
الفاعل في هذه الآية «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ»، هو "الله جل جلاله" والمفعول به هو "من الدين". أي أن الله شق لنا طريقا، من الدين، لنبع دائم لا انقطاع له. وجاءت هذه الوصية على لسان نوح وهي ذاتها ما أوحينا إليك يا محمد ونفس الوصية جاء بها «إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ» وصية واحدة لدين واحد. ما شرعه الله لنا هو الدين وليس لبشر أن يتدخل في شريعة الله جل جلاله ... لا نبي ولا رسول ولا رئيس دولة ولا مجلس نواب ولا رب أسرة. فالقضية هنا في اختلاف الأديان لا يحكم فيها إلا الله جل جلاله وفي يوم القيامة وهذا ما أكدته الآية التالية لها مباشرة:
وَمَا تَفَرَّقُوٓا۟ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌۭ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ
إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّۭى لَّقُضِىَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِنۢ بَعْدِهِمْ لَفِى شَكٍّۢ مِّنْهُ مُرِيبٍۢ
﴿14﴾
لم يضع لنا الله جل جلاله شريعة الدنيا بمعنى دستور لدولة ولا قانون يتحاكم به البشر في تعاملاتهم الدنيوية، وتركها لنا نضعها وفقا لزماننا وظروفنا الاجتماعية والبيئية. فالدين ثابت لا يتغير أما الدنيا فمتغيرة. فمن يدّعي أنه يريد تطبيق شريعة الله يخادع الناس بغير علم فشريعة الله هي دين الله كما تنص الآية، وهي بالاختيار الحر لا جبر فيها. وعلى ذلك كل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية باطلة وخارجة على تعاليم الإسلام وشريعة الله. ما هو دور الأحزاب السياسية؟ الحزب السياسي له رؤية يسعى لتطبيقها بالوصول إلى السلطة. فهدف الحزب السياسي هو الوصول إلى السلطة وتشكيل حكومة تنفذ مشروعه السياسي. وهذا في رأيي ليس مهمة الدين فالدين هو اختيار لا إزعان وجبر. فمهمة نشر الدين تكون للدعاة بالتوعية والتثقيف وترك الخيار للناس «فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ» وقد أمرنا الله بالدعوة ولم يمنح أحد السلطة الدينية حتى الرسول «لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» فلا يملك أحد فرض أي قانون باسم الله مطلقا فما بالك بدولة متعددة الديانات. فهل يملك أي إنسان الحق في تطبيق شريعة الله جبرا على الناس؟ لنا أن نختار بين الدولة السياسية التي تتعدد فيها ديانات مواطنيها، وبين الدولة الدينية التي ينتمي جميع أفرادها الي دين واحد، وباقي المواطنين المنتمين إلى ديانات أخرى ليس لهم حقوق المواطنة كاملة، وليس هناك دولة بين الإثنين، إما دولة سياسية أو دولة دينية. هناك اشكاليات تمنع وتدحض دعوة تطبيق الشريعة الإسلامية من الأساس.
أما الصيغة الثانية للفعل فقد جاءت على لسان غير المسلمين:
أَمْ لَهُمْ شُرَكَٰٓؤُا۟ شَرَعُوا۟ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿21 الشورى 42﴾
والفاعلون في هذه الآية «شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ» هم الشركاء الذين يشركون بالله والمفعول به هو أيضا "من الدين" وقد شرعوا لهم ما لم يأذن به الله. ولم يؤمر الرسول عليه الصلاة والسلام بمحاربة هؤلاء المشركون فقد أجل الله حسابهم إلى يوم القيامة «وَلَوْلَا كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ». فاختلاف الإيمان لا حساب في الدنيا عليه. أي أن هناك طريقان أحدهما لله جل جلاله والآخر، المناقض له، لشركاء الله الذين يدّعون وكلاهما "من الدين".

 

في صيغة الاسم «شِرْعَةً» و «شَرِيعَةٍ»

وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةًۭ وَمِنْهَاجًۭا
ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًۭا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿48 المائدة 5﴾
لا يعني قوله تعالى «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» أن الله جعل لليهود شريعة وللمسيحيين شريعة أخرى ولنا نحن المسلمين شريعة ثالثة (). فشريعة الله (بيان دينه) واحدة لكل من اليهود والمسيحيين والمسلمين، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا، هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ومنه يقال: " شرع في كذا " أي: ابتدأ فيه. وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء. أما «مِنْهَاجًۭا»: فهو الطريق الواضح السهل. وأرى أن فهمها بأن الفروض والمحرمات تغيرت من دين إلى دين، هو فهم خاطئ لأن الدين واحد «إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ
ۗ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
﴿19 آل عمران 3﴾» والاختلاف كما بينه الله جل جلاله هو اختلاف بغي، فلم يأتي خاتم الأنبياء والرسل محمد عليه الصلاة والسلام بدين جديد بل على الحنيفية دين أبو الأنبياء إبراهيم «... قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِـۧمَ حَنِيفًۭا ... ﴿135﴾ اليقرة 2». كما أن اختلاف الأديان عن بعضها البعض في زمن نزول الآيات إليهم وطبيعة الناس في هذا الزمان وهذه الاختلافات يعالجها كل نبي بين قومه ولا شأن لها في أصل الدين، الحنيفية السمحة، فما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا. لقد جعل الله تعالى كلمة «مِنْهَاجًۭا» لاحقة لكلمة «شِرْعَةًۭ» لتدل على معناها وهي المنهج والطريق للوصول للحق وتكون «شِرْعَةًۭ» بمعنى البيان والعلامة وابتداء الشيء، «وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ».
أما قوله تعالى عن الشريعة فقد جاءت مطابقة لقوله تعالى «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ» مضافا إليها «ٱلْأَمْر» وهو الدين.
ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ
فَٱتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
﴿18 الجاثية 45﴾
فلا تتبع أهواء اللذين لا يعلمون بل اتبع الأمر الذي أنزله الله عليك. والأمر كما تعنى الدين تعنى أيضا الدنيا فالنبي يحكم في الدنيا بأوامر الله ورعايته. وفي الآية السابقة لها مباشرة بيان أن الأمر هنا من الدين لا الدنيا.
وَءَاتَيْنَٰهُم بَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ ۖ فَمَا ٱخْتَلَفُوٓا۟ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿17﴾
فقضاء الله يوم القيامة فيما هم فيه مختلفون دليل على أن الأمر هنا عن الدين وليس عن الدنيا كما في قوله تعالى.
فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ ﴿159 آل عمران 3﴾
فالشورى عن أمور الدنيا وليس الدين فإذا قضى الله ورسوله أمرا فلا خيار لهم.
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍۢ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًۭا مُّبِينًۭا ﴿36 الأحزاب 33﴾

 

الخلاصة

الشريعة التي جاءت في القرآن الكريم هي فقط عن الدين. فقد جاء القرآن الكريم كآخر رسالة لآخر نبي عن الدين وترك شئون الدنيا للناس. لأن الرسول، عليه الصلاة والسلام، كان نبيا فقد كان يحكم الناس تحت رعاية الله وفقا للنظام السائد في عصره. لذا لم يكن مناسبا أن ينزل الله تشريعا بتحريم العبيد في عصر كان العبيد يشكلون نمطا اقتصاديا لا يمكن الاستغناء عنه. ولكن سرعان ما وجد الناس بعد موت الرسول، عليه السلام، أنهم في حاجة ماسة لتشريعات جديدة لم تذكر في القرآن الكريم ولا في سيرة النبي. الدنيا متغيرة لا يصلح معها تشريع سماوي واحد يعيش إلى أن تقوم الساعة أما الدين فواحد لا يتغير منذ أن خلق الله السماوات والأرض.

 

دعوة للحوار

هذه إشكالية من إشكاليات عشرة تنفي عن الإسلام السُلطة وعلينا أن ننظر إلى الإسلام كوسيلة ثقافية لكل البشر وليس للمسلمين فقط. الإسلام كدين توحيد لله جل جلاله يحتوي قيما أخلاقية يعتبر وسيلة تنويرية ترتقي بالإنسان. وأكبر دليل على ذلك هو انسجام المغتربين المسلمين في بلدانهم التي تحكم بغير الشرع الإسلامي كما يقولون بل باجتهادات بشرية لا تخالف الدين، أي دين، إلا أن يقول هذا الدين بقتل من لا يؤمن به. الوسيلة الوحيدة لنشر الإسلام والدعوة له هو كحركة تنويرية بالموعظة الحسنة والدعوة السلمية لا سلطان إلا قلوب مستقبليه. هذا اجتهاد بشري ينطلق من قول الله جل جلاله:
أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴿24 محمد 47﴾
هذه الدراسة اجتهاد بشري قد يصيب وقد يخطئ نفتح به حوارا كي نفهم رسالة الله الخاتمة، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة.

 
عزت عبد المنعم هلال؛ eahelal@gmail.com؛ القاهرة؛ 10 فبراير 2015؛
تطلب شرائح العرض للمحاضرات والندوات من الكاتب.

 
من منشــورات
فــــبراير 2015

 

Saturday, March 14, 2015

حوارات حول السنة


حوارات حول السنة


 
دار هذا الحوار بين غسان نعمان ماهر السامرائي وهو من الشيعة وبيني عزت عبد المنعم هلال ممن لا يؤمنون بالمذاهب ولا أقول قرآني فكل مسلم قرآني ولابد أن يؤمن بالقرآن كرسالة الله سبحانه وتعالى إلى البشر وأصحاب المذاهب يؤمنون بأن للرسالة امتداد آخر وهذا ما أعتبره تراثا إنسانيا يمكن أن أخذ منه أولا آخذ.

غسان ماهر

 

نوفمبر 1، 2014


 
الأخت الكريمة هالة
كذلك معكم هو مفيد لأنه يتحدى ما اتفق عليه المسلمون جميعاً وهو المرجعية الرسولية، وهو ما نفعني جداً في لفت النظر إلى الآيات القرآنية الكثيرة التي أكدت هذه المرجعية وبأشكال مختلفة...
لقد ذكرت سابقاً -لعله عندما كتب الأستاذ أحمد عبده ماهر عن منع كتابة الحديث النبوي- أن هذا المنع لم يصدر من النبي (ص)، بل العكس لأنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص ((أكتب، فما خرج منه إلا حق)) (أكتب من الذاكرة)، وذلك بعد أن مشت قريش - سبب المصائب - إلى عبد الله تحثه على التوقف عن كتابة الحديث.
واستمرت قريش - بعد أن تمكن - من منع التدوين على عهد أبي بكر وعمر وعثمان، وقصة جمع الأحاديث "المكتوبة" من قبل أبي بكر والتخلص منها، ثم من قبل عمر والتخلص منها وحرقها، معروفة، وغاياتها السياسية معروفة...
لهذا، لما استخلف علي (ع) قام بالعكس: حث الناس على الكتابة...
ثم جاء الأمويون فمنعوا الحديث الصحيح وصاروا يبذلون الأموال لوضع الحديث حتى "انتشر باطل كثير" حسب نص الإسكافي...

 
فنحن هنا أمام قضية:
إذا كان النبي (ص) لم يمنع الكتابة كما يفترون، بل شجع عليها؛
وأن القرآن لم يأمر بشيء كما أمر بالعلم والنظر والتفكر والتدبر، وكلها مما يتعلق بالكتابة والتدوين بما هو من بديهيات المدارس الابتدائية؛
وأن قريش هي التي منعت الكتابة؛
ثم قامت قريش بخطوة أبعد في التضليل عندما صار معاوية يشجع ويجزي على وضع الحديث؛
وكل هذا في خضم موت الصحابة الذين سمعوا وحفظوا الحديث من رسول الله (ص)، وموت الكثير من التابعين؛
فهل نقوم نحن "بمساعدة" قريش فيما فعلت من هذا الإثم العظيم الذي أدى إلى انتشار هذا الكم الهائل من الضلال في الروايات الحديثية، أم نواجه بكل ما أوتينا من قوة بالقيام بكل ما نستطيع من أجل استخلاص الحديث الصحيح من غيره؟
هل نستسلم للظلم والتجهيل الأول أم نقاومه؟

 
فإن قال قائل - وكثير منكم يقول -: نحن نحتاج إلى الحديث أصلاً فلم نتعب أدمغتنا (أو حسب ما يقول أخي عزت هلال أن الحديث تراث إنساني، فصار عنده المبعوث من رب العالمين كغيره من الناس!)، فإنني أقول أنكم عندها تواجهون خياراً واحداً، هو:
حذف جميع الآيات القرآنية التي تأمر بشكل واضح على طاعة الرسول (ص) واتباعه والاحتكام إليه...

 
ونعيد أمثلة منها عليكم - ابتغاء الأجر أولاً، وعسى تلقى آذاناً صاغية هذه المرة ثانياً -:
1- ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)) / فإن أردتم أن تكونوا مؤمنين حقاً فعليكم قبول التحاكم - حتى ولو في الخلاف بيني ومن على رأيي وبينكم - إليه (ص)، ثم التسليم في الخارج - أي دون الاستمرار في نفس الطريق -، والأهم سلامة الداخل من رفض حكمه (ص)...

 
2- ((إن كنتم تحبون الله فاتبعوني)) / فلم يقل "اتبعوا القرآن وحسب" أو "اتبعوا الذين يأتون بعد قرون كمفسري مجموعة المودة ومركز التطوير أو غيرهم" / فإن كنتم تحبون الله حقاً عليكم باتباعه (ص)، وكيف تتبعونه وأنتم تشطبون على حديثه وتهبطون به إلى درجة التراث الإنساني، أي تراث؟

 
3- ((وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً)) / وهي واضحة في التفريق بين القرآن ((ما أنزل الله)) والحديث ((الرسول)) / فإن أردتم أن لا تخاطروا بالدخول في زمرة المنافقين فإن عليكم الاستجابة الكاملة لما يأمر الحق تعالى هناك بالعودة "الحقيقية" إلى القرآن + الحديث النبوي...

 
4- ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)) / أي أن علة إنزال الذكر إليه (ص) - مع أنه للناس جميعاً - هو ((لـ)) لام التعليل "يبين" القرآن، فأين نجد البيان وقد شطبتم على الحديث الشريف الصحيح؟

 
5- ولمن يقول أن للنبي (ص) فهماً كما أن لنا فهماً للقرآن أقول: إضافة إلى الآية 4 أعلاه، فإن القرآن يقول ((كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته)) ولم يقول "لتتدبروا" فيشركه (ص) معهم، وهذا يعني لكل ذي عقل أنه (ص) لا يحتاج إلى التدبر وهو ما يعني أن الذي نزل عليه ليس النص فحسب ولكن أيضاً المعنى، وعندها كيف نعرض على المعنى ونتجه إلى غيره الذي يأتي من العقول القاصرة التي لا يمكن المقارنة بين علاقتها بالله تعالى وعلاقته (ص) بالله تعالى الذي أرسله؟

 
أما أن نأخذ ما يعجبنا من بعض فضائل الأخلاق كما قالت الأخت هالة ونترك ما سوى ذلك فهذا يخالف هذه الآيات الكريمة ومثيلاتها الكثيرات تماماً...

 
فإلى متى يبقى الإعراض عن هذه الآيات البينات والتقاط آية هنا وآية هناك من أجل التشبث بمنهج مصدره المزاج؟ هذه آيات محكمات واضحة المعنى، فكيف يمكن الإعراض عنها؟

 
تحياتي
غسان

 

 


نوفمبر 1، 2014 الساعة 11.40

جولة مع الآيات التي أوردها أخونا العزيز غسان ماهر عن ضرورة وجود سنة الرسول في كتب أخرى غير القرآن. فهل ذكر القرآن الكافي أو البخاري أو غيرهما من الكتب التي تتحدث عن الأحاديث النبوية. أم علينا أن نعتبرها مؤلفات بشرية ليس فيها أي قدسية وعلينا أن نختار ما يناسبنا ونغفل عما لا يناسبنا ولا يناسب عصرنا.

 
1-لابد من قراءة ما قبلها من الآيات:
أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ قَوْلًۢا بَلِيغًۭا
﴿63﴾ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ
بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُوا۟ ٱللَّهَ تَوَّابًۭا رَّحِيمًۭا ﴿64﴾ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًۭا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًۭا ﴿65﴾
﴿النساء 4﴾

 
فالحديث عن بعض الناس ممن «يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ» ونصح الرسول عليه الصلاة والسلام بالإعراض عنهم «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ قَوْلًۢا بَلِيغًۭا». ويقول الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام «وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّه» فكل رسول أرسلناه له أتباعه. ويقول تعالى «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُوا۟ ٱللَّهَ تَوَّابًۭا رَّحِيمًۭا» فباب المغفرة متاح لهم فالله «تَوَّابًۭا رَّحِيمًۭا». استكمالا لهذه الآية يقول تعالى أن ذلك من شروط الإيمان «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ» بأن يحكموك فيما شجر بينهم ثم «لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًۭا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًۭا» ... استكمالا لهذه الآية يقول الله تعالى «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا»
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُوا۟ مِن دِيَٰرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌۭ مِّنْهُمْ
ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا۟ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيْرًۭا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًۭا ﴿66﴾ وَإِذًۭا لَّـَٔاتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجْرًا عَظِيمًۭا ﴿67﴾ وَلَهَدَيْنَٰهُمْ صِرَٰطًۭا مُّسْتَقِيمًۭا ﴿68﴾ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُو۟لَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُو۟لَٰٓئِكَ رَفِيقًۭا ﴿69﴾ ذَٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيمًۭا ﴿70﴾
فما يفعلون بأوامرنا إلا الإعراض «مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌۭ مِّنْهُمْ» ولو فعلوا ما يؤمرون به لكان خيرا لهم «لَكَانَ خَيْرًۭا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًۭا ... وَإِذًۭا لَّـَٔاتَيْنَٰهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجْرًا عَظِيمًۭا ... وَلَهَدَيْنَٰهُمْ صِرَٰطًۭا مُّسْتَقِيمًۭا». ويأتي قوله تعالى «وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ» فطاعة الرسول هي ذاتها طاعة الله فيما أرسله إليه.

 
هذه قراءة للنص القرآني ليس فيها مشاجرة أو خلافه في أمور الدنيا ليحَكموا الرسول فيها ... المسألة كلها طاعة الله من خلال طاعة الرسول. ولو كانت مشاجرة وطلبوا من الرسول أن يحكم فيها لما كان هناك غرابة في ذلك فمن يؤتمن على الرسالة أحق بالتصديق فيما عدا ذلك من الأمور إلا أن الرسول وفقا لوثيقة المدينة كان يحكم بين الناس جميعا في القضايا التي تنشب بين قبيلة وأخرى وقد اتفقت القبائل على تلك الوثيقة وبهذا النص فهو يحكم بين غير المسلمين كما يحاكم المسلمين. فلو كان شرطا من شروط الإيمان أن يقبلوا حكمه في النزاعات بينهم فهم وفقا لهذه الوثيقة المعمول بها ليست شرطا بل حكما دنيويا لأمور الدنيا لا يشترط إيمان البعض منهم.

 
2-موضوع «فَٱتَّبِعُونِى» هل تعني اتباع غير القرآن.
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿31﴾ قُلْ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴿32﴾ ﴿آل عمران 3﴾
مرة أخرى تأتي بعدها مباشرة «قُلْ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ» فطاعة الرسول هي طاعة لله تعالى ولذا أمرنا الله تعالى بطاعة كل الرسل فلم يأتي أحد منهم إلا بأوامر الله ونواهيه «... وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍۢ مِّن رُّسُلِهِ ... ﴿285 البقرة 2﴾». لم يأمرنا الله تعالى باتباع مفسري المودة ومركز تطوير الفقه السني ولكن باتباع الرسول ذاته الذي جاء بالرسالة، أي إتباع الرسالة نفسها فهو الوسيلة الوحيدة التي نعرفها لمعرفة الله. فهل نبئنا الله برسالة أخرى جاءت مع الرسول مكملة للقرآن الكريم. لا يوجد إلا في عقول من يؤمن بمن لا يوحى إليهم من البشر. لا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن شخصا عاديا فلابد أنه كان يستحق ذلك ولا شك أن بعض ما قاله كان حقا يصلح لأجيال بعده. لا شك قطعا أن حب الله لا يأتي إلا بطاعة ما جاء به الرسول إلينا.

 
3-هذه الآيات تسبق المثال الأول وهم نفسهم من يعلم الله ما في قلوبهم.
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا۟ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓا۟ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوٓا۟ أَن يَكْفُرُوا۟ بِهِۦ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًۭا ﴿60﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا۟ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ
وَإِلَى ٱلرَّسُولِ
رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًۭا ﴿61﴾ فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌۢ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلَّآ إِحْسَٰنًۭا وَتَوْفِيقًا ﴿62﴾
﴿النساء 4﴾
لا شك أن الرؤية الأولى «إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ» ويليها مباشرة «وَإِلَى ٱلرَّسُولِ» تدفعنا للقول بأن ما أنزله الله غير ما جاء به الرسول. وهذا قول مناف للحقيقة فكل من يؤمن بالسنة النبوية يؤمن بأن ما جاء به الرسول من سنة هو أيضا وحي أوحى به الله إليه. فلا شك أن القول لابد أن يختلف. ولو نظرنا إلى الآية السابقة في حال هؤلاء الناس حيث أنهم أمنوا «بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ» فقوله تعالى «إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ» في الآية الثانية تقابل «وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ» ولا شك لابد وأن تكون «وَإِلَى ٱلرَّسُولِ» تعود إلى ما أنزل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام «بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ» في الآية الثانية، أي القرآن الكريم. فالمشكلة الأساسية لو أننا أخذنا بتفسير الشيعة لكان لدينا كتبا مختلفة عما جاءت به كتب السنة فإيهما نختار ... هل حدد الله في كتابه الكريم أي الكتب أختار. فهي كتب تراث لي أنا وحدي أن أحكم على ما فيها ففيها بلا شك أقوال حكيمة وحكما بالغة.

 
4-يقول الله تعلى لنا أن نسأل أهل الذكر الذي أنزلت عليهم آياتنا فقد كانت تنزل عليهم آيات الله ليبينها لهم رسل الله.
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًۭا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۚ فَسْـَٔلُوٓا۟ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿43﴾ بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿44﴾ ﴿النحل 16﴾
لا شك عندي أن الرسول من مهامه أن يبين للناس ما أنزل عليه. هذا البيان يصلح للمجتمع الذي عاش فيه وللزمن الذي يعيشه وقد يعيش بعده عدة قرون ولكن أن يكون هذا البيان صالح بكامله الي ما بعد أكثر من 14 قرنا فهذا لابد أن نشك فيه. لا شك أنه يوجد في بيان الرسول عليه الصلاة والسلام ما يزال يصلح لزماننا ولأبعد من هذا.

 
5-من يتدبر القرآن؟ الرسول وحده أم معه الناس وإذا كان المعنى أوحي للرسول فلماذا يتدبر هو؟
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَٰطِلًۭا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۚ فَوَيْلٌۭ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنَ ٱلنَّارِ ﴿27﴾ أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ ﴿28﴾ كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ مُبَٰرَكٌۭ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ
﴿29﴾
﴿ص 38﴾
يقول الله تعالى «لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ» واو الجماعة تعود إلى «أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ» وليس إلى الرسول فالرسول فرد وكان يجب أن يقول الله «ليدبر». وليتدبر الرسول عليه الصلاة والسلام آيات القرآن الكريم كما يتدبر «أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ» فليس في النص خصوصية له عن غيره. فإذا جاء مع الرسالة المعنى المراد تبليغه للناس فهل يكف الناس عن تدبر القرآن لأن الرسول جاءهم بالمعنى أيضا. ألسنا نحن المأمورون بهذه الآية «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِيهِ ٱخْتِلَٰفًۭا كَثِيرًۭا ﴿82 النساء 4﴾» وإلا فكيف سنجد فيه اختلافا كثيرا. أما «َلِيَتَذَكَّر» فهي تخص «أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ» فقط دون الرسول عليه الصلاة والسلام.

 


 

نوفمبر 1، 2014 - 2.30

أخي عزت
لو توقف تفسير القرآن على السياق لذهب كثير من القرآن لأننا سنقول انها كانت مناسبة وانتهت. كلا، السياق له دور، ولكن كل جملة لها دورها، فهذا كتاب الله الذي يتميز عن غيره مطلقاً _ الحرف، والكلمة، المقطع، الجملة، الآية، مجموع الآيات، السياق وغيره، كلها لها دورها...
وأما طاعة الرسول (ص) من طاعة القرآن فهذا لا يساعده الصيغ المختلفة للطاعة التي أمرنا بها ((أطيعوا الله ورسوله)) ثم تعطيه خصوصية أكبر ((أطيعوا الله والرسول)) ثم تعطيه خصوصية أكبر فأكبر ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)) وهكذا...
والاتباع وغيره من أوضح الواضحات _ أخي عزت _ فلا يجوز رفض كل هذه المفردات القرآنية العربية الواضحة لأنك تجد نفسك صعبة الانخلاع مما قررته سابقاً...

 
أما ((ليتدبروا)) فإني قصدت أنه (ص) لو كان مشتركاً فيها لقالت "لتتدبروا". نفس الشيء في الآية التي توبخهم ((أفلا يتدبرون القرآن)) ...

 
تحياتي
غسان

 


 

نوفمبر 1، 2014 – 15.35

أخي غسان
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لا أجد أي مشكلة فيما قلته في الفقرة الأولى ولهذا السبب وضعت مجموعة من الآيات لأوضح المعنى. نزل القرآن منجما، أي في مناسبات يعرفها الناس في هذا الوقت ولكنها بلا شك منفصلة عنها، والسياق الذي نزلت فيه الآيات ولازال لاصقا بالآية لا يمكن إغفاله مطلقا فهذا السياق المصاحب للآية سيظل مصاحبا لها إلى أن تقوم الساعة ولا يجب الاعتماد على أحاديث جانبية تشرح المناسبة. فمثلا قوله تعالى:
يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍۢ يُضَٰعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًۭا ﴿30 الأحزاب 33﴾
خطاب موجه إلى نساء النبي، وقد رحلوا جميعا، ولكن الآية لازالت باقية في القرآن نقرأها في صلاتنا لنتدبر أن الرسول بشر وله خصوصية ليست لأحد من البشر. وعلى ذلك الخصوصية المنصوص عليها في القرآن الكريم جزء لا يتجزأ من القرآن الكريم ولا تفهم الآية إلا بها. ولا ندري أي من النساء في عصرنا هذا تعطي لنفسها الحق في أن يحاسبها الله كما يحاسب نساء النبي. ويبقى لها حكمتها الباقية التي تقص علينا كما يقص القرآن الكريم أحداث الأمم السابقة وتبقى لنا الموعظة والحكمة منها.
فلنعيد قراءة المفردات العربية من القرآن الكريم. فقد نزلت «ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ» 54 مرة في القرآن الكريم. وجاءت «أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ» 4 مرات، وجاءت «يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ» 4 مرات ايضا والباقي في شكل ومن يعص ... أمنوا ... ومهاجرا إلى غير ذلك. أما قوله تعالى «ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ» 6 مرات فقط وكلها أطيعوا ويطع وهناك أيضا تؤمنون ولا تخونوا. ثم جاءت «أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ» 5 مرات منها واحدة مشتركة مع «ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ». فإذا اعتبرنا أن الصيغة الأخيرة فيها تخصيص أكبر للرسول فتعالوا نبحثها واحدة تلو الأخرى. فمنها حكم برد الأمانات إلى أهلها ويدخل مع الله والرسول أولي الأمر منكم فإذا تنازعتم فردوا النزاع إلى «ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ» فرد الأمانات والحكم بين الناس بالعدل أمر عام متصل.
إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلْأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُوا۟ بِٱلْعَدْلِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعًۢا بَصِيرًۭا ﴿58﴾ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍۢ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْـَٔاخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌۭ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿59﴾ ﴿النساء 4﴾
ويقول الله في الآية التالية «أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ» ليبين أن طاعة الرسول ليس فيها طاعة أكثر من طاعة الله فهي نفس الموجود في آيات أخرى.
إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴿91﴾ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ
وَٱحْذَرُوا۟ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ
﴿92﴾
﴿المائدة 5﴾
ومرة أخرى مع قوله تعالى «وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ» وجاءت لأن عليه هو ما حمل وعليكم أنتم ما حملتم فلابد أن تأتي «َأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ» منفصلة عن طاعة الله.
وَأَقْسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ۖ قُل لَّا تُقْسِمُوا۟ ۖ طَاعَةٌۭ مَّعْرُوفَةٌ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿53﴾ قُلْ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ
ۖ فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا۟ ۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ
﴿54﴾
﴿النور 24﴾
والآية التالية أمر من الله ألا يبطلوا أعمالهم، وهنا جاءت خصوصية طاعة الرسول منفصلة عن طاعة الله لأن من يشاق الرسول في الآية السابقة لها مباشرة (32) من بعد أن تبين لهم الهدى فلن يضروا الله شيئا وسيحبط الله عملهم.
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّوا۟ ٱلرَّسُولَ
مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّوا۟ ٱللَّهَ شَيْـًۭٔا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَٰلَهُمْ ﴿32﴾ ۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ
وَلَا تُبْطِلُوٓا۟ أَعْمَٰلَكُمْ ﴿33﴾
﴿محمد 47﴾
ومرة أخرى نجد قوله تعالى «فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ» هذا ما للرسول عليه الصلاة والسلام فعليه هو البلاغ المبين. وتأتي قبلها آية تخص علاقة المؤمن بالله. وبعدها مباشرة يقول الله تعالى «عَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ». فما هي الخصوصية الخاصة بالرسول في جميع الآيات.
مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ ۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌۭ ﴿11﴾ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ
ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ
﴿12﴾ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
﴿13﴾
﴿التغابن 64﴾

 
أما قولك بأن الرسول لم يكن مشتركا في «لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ» فلماذا «لِّيَدَّبَّرُوٓا۟» «وَلِيَتَذَكَّرَ» ولم تأتي ليذكر؟ هل لأن أولو الألباب هم اللذين يتذكرون ولا يتذكر معهم الرسول؟ ربما والله أعلم.

 
بالفعل أنا أدافع عما أعتقد ولكن لن أكون فخا "لأنك تجد نفسك صعبة الانخلاع مما قررته سابقا" فمن السهل أن أتراجع فليس لدي أي مشكلة للرجوع عن قول قلته من قبل. فالنص القرآني هو المرجع الأساسي وكل أقوال السلف ممكن أن تكون مرشدا وهاديا فأنا لا أرفض جميع أقوال السلف بل آخذ منها ما أجده مناسبا لفهمي للآيات ولعل أقوال علماء الشيعة لهم أثر في نفسي أكبر فهم يعتمدون على النص أكبر من علماء السنة.

 


 

نوفمبر 1، 2014 – 7.01

نعم أخي العزيز عزت
((وما على رسولنا إلى البلاغ المبين))، "المبين" أين "يبين" وهو بالضبط ((وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم))، فالبلاغ بقراءة النص وحسب لا يجدي في كثير من الأحيان، بل سيأتي المجادلون ويلقون الإشكاليات على جميع نصوص القرآن دون استثناء، وهو واقع اليوم وقبل اليوم...
فهذه الآية تثبت ما قلته من ضرورة البيان الرسولي الذي لا نجده في نص القرآن.
وأما آيات من قبيل آية نساء النبي (ص)، فهي أولاً تلفت نظرنا إلى بشرية النبي (ص) كما قلت أخي عزت، ولكن ثانياً تقول لنا أن نساء النبي (ص) هن أيضاً من البشر ولكن حسابهن يختلف _ في الطاعة تأخذ ضعف الأجر وفي الفاحشة _ والعياذ بالله _ تأخذ ضعف العقاب؛ وبما أن الفاحشة ممنوعة منعاً باتاً أن تصل إلى فراش الأنبياء (ع) حسب عقيدة أهل البيت (ع) وشيعتهم (ومنه تتضح فرية أن الشيعة يرمون عرض النبي (ص)) فما يتبقى هو فكرة أن زوجة النبي (ص) عليها مراقبة نفسها فيما تفعل...

 
تحياتي عزيزي
غسان

 


 

نوفمبر 2، 2014 = 6.33

أخي غسان
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 
من قال ان المبين تعنى إبلاغ النص كما هو تماما، ولكن في اعتقادي أنا، على الرسول أن يبلغ عشيرته المقربون إليه ويبين لهم، ففي أحاديث كثيرة وصلتنا من الجيل الأول أحاديث جيدة في شرح وتوضيح القرآن الكريم لا زالت حية بيننا. قُل لي يا أخي غسان هل شرح الرسول عليه الصلاة والسلام كل القرآن؟ هل هناك كتاب باسم الرسول فيه هذا البيان؟ أم أن الكافي هو من ألف كتابا يضم أحاديث الرسول ونسب الكتاب إليه لا غيره؟ يوجد لدينا مؤلف واحد لم يكتب عليه اسم مؤلفه وهو القرآن الكريم وكل المسلمين يؤمنون به. ولا يوجد مؤلف واحد باسم محمد عليه الصلاة والسلام. حتى ولو كان يمليه على غيره لكان صدر هذا المؤلف وعليه اسم صاحبه. كل المؤلفات عن السيرة النبوية العطرة لأناس من البشر لم نعرف أنهم كانوا يتلقون الوحي من الله تعالى. فهي بلا شك جهد بشري ينسب إليهم لا لغيرهم. هذا في ظني ما حدث في المسيحية. مات المسيح ولم يظهر لنا أناجيل إلا بعد وفاته بحوالي 200 سنة أو ما يقاربها وبعدها ظهرت الكثير من الأناجيل من متى ويوحنا وغيرهما من البشر. ولكنهم في الإسلام وجدوا القرآن ومنعوا إضافة أي جديد له فلم يجدوا غير التقول على الرسول ونسبة الكثير من مفاهيمهم على الدين الإسلامي لوضعها في الدين الإسلامي. وقد ذكرت أنت بعض ما تم في عهد معاوية ومن خلفه من الخلفاء. ولكن هناك العديد من الأمور الشاذة في المذهب الشيعي وتعلقهم بالإمامة ونسبة العديد من الروايات عنهم وعن أحقيتهم في خلافة رسول الله عليه الصلاة والسلام. من أبرز ما سمعته هو أن الإسلام في حاجة دائما للتواصل مع الله لتلقي تعاليمه لصيانة الدين. هذا التواصل يتم من خلال الأئمة الذين لهم هذا الحق وكأن الوحي لم ينقطع. فهل هذا صحيح.

 
ما يهمني في الحديث عن نساء النبي أنه حديث بالفعل انتهى ولا علاقة له بحياتنا نحن. فما هي الفائدة التي تعود علينا من معرفة أن العقاب والثواب مضاعف. فهي كالقصص القرآني للزمن السابق لرسول الله للعبرة والتسرية والتأكيد على بشرية الرسول.

 


 

نوفمبر 2، 2014 – 10.46

أخي الورد عزت رعاه الله
القضية ليست من قال أنه كذلك ومن لم يقل، لأننا نحاول التدبر، وأحاول في هذه المجموعة أن لا آتي بروايات لأنكم لا تعترفون بها، فدعني _ في قضية البلاغ المبين _ أثبت لك أن "المبين" تعني البيان الرسولي، أي المعنى:

 
قارن بين قوله تعالى
((فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ))
((وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ))
((مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ))
الذي يختص بإبلاغ أصل الرسالة _ فيكون البلاغ للنص فقط؛

 
وقوله
((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ))
((وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ))
فإنك تجد أن "البلاغ" دون صفة "المبين" تأتي غالباً في إبلاغ أصل الرسالة والبعثة، أي النص... ولكن لأن هذه تتضمن "أصول الدين" فإنها تأتي أحياناً مع صفة "المبين"

 
((وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ))

 
ثم انظر إلى قوله تعالى
((وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ))
هنا، يتحدث معهم _ المسلمين وغيرهم _ وعندها فإن "البلاغ" لا بد أن يكون فيه إبلاغ النص (للجميع) + بيان أصول الدين (للجميع ولكن للمسلمين أشمل) + بيان الفروع (للمسلمين)

 
وعليه، فإن "بيان" الرسول (ص) لا بد منه.

 
نعود فنسأل: أين هذا البيان؟
ستقول: لم يترك كتاباً باسمه الخ، والبخاري والكافي الخ...
فأكرر ما قلته للأخت هالة: هل نساهم فيما فعله الأولون من منع التدوين في مخالفة واضحة للعقل ومخالفة واضحة لأمر الرسول (ص) بالتدوين؟
كيف ندعي محاربة ما تأسس على باطل ثم نسير في نفس الطريق الذي اختطه ذلك التأسيس الباطل نفسه؟!
وأين المشكلة في الحديث النبوي وعندنا المعايير اللازمة للتعامل معه؟

 
أخيراً،

 
هذه الآية التي تجمع "الطاعة" مع "البلاغ المبين"
((قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ))
يقول لنا:
إن الله هو الذي يأمر _ فسبحان الله الذي يعلم أن بعض الناس ستبقى ترفض الأمر الرسولي حتى النازل في القرآن، فصدر الآية بكلمة "قل"
أطيعوا الله _ القرآن، أليس كذلك؟
وأطيعوا الرسول _ فلا بد أن يكون غير نص القرآن، فهو البيان
فإن تولوا _ رفضوا الطاعة للاثنين، النص والبيان
فإنما عليه ما حمل _ أدى (ص) تكليفه الشرعي المناط به
وعليكم ما حملتم _ واجب الطاعة في أول الآية
وإن تطيعوه تهتدوا _ لكم الحرية في عدم طاعته (ص) (فالهاء للرسول (ص) قطعاً لأنها تأتي بعد ((عليه ما حمل)))، ولكن الهدى يتحقق من طاعته (ص)
وما على الرسول إلا البلاغ المبين _ قام قطعاً بالبلاغ الواضح المبين لأنه تكليفه الذي لا يمكن أن يفشل في أدائه، والحصر ((وما على ... إلا)) صدى لـ ((إنما عليه ما حمل)) التي تحصر مسؤوليته بالتكليف الإلهي له، وهذا هو النص + البيان

 
وعليه، فيمكن لمن يشاء أن يدير ظهره للبيان الرسولي، ولكنه سيخسر الهدى ((وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم))

 
تحياتي
أخوك
غسان

 


 

نوفمبر 2، 2014 – 11.02

إخواني وأخواتي الكرماء
أكتب هذا الكتاب استجابة لطلب أخي سيادة الدكتور كمال شاهين الذي أحبه من كل قلبي كما أحب كل أعضاء مركز التطوير وكل أعضاء المودة دون استثناء. أريد أن يعلم أخي كمال بأنني لا زلت حيا ولكن الكتابة صعبة علي وأتمنى أن يزول ما أنا فيه قريبا بإذن ربي.
فأعتذر بأنني قليل الكتابة هذه الأيام ولا أخفي استمتاعي لما كتبه أو نقله المفكرون الكرام، الدكتور محي الدين والمهندس عزت والفقيهة هالة والأستاذ غسان وغيرهم حول السنة النبوية المنقولة إلينا عن طريق البشر والتي لم يتعهد رب العزة بصيانتها. وأنا قلت وأقول دائما أين هذا العلم وهذا التفسير الذي يتحدث عنه أخي غسان ماهر وبعض الإخوة لنناقشه؟ هل يمكن لنا أن نتحدث عن علم يفسر لنا كتاب الله تعالى دون أن نراه وهل نكون مسؤولين أمام الله تعالى يوم الحساب للعمل بعلم غير موجود؟
لننظر إلى القوة المهيبة التي صان القرآن دون تحريف ونقله إلينا عن طريق أناس يؤمنون بالتحريف؟ هكذا يكون القرآن حجة علينا ولكن تفسير الرسول غير الموجود ليس حجة علينا لأنه قبل كل شيء لا وجود له حتى ادعاء.
وهناك مسألة مهمة أحب أن أتساءل عنها مع إخواني وأخواتي الكرماء وهو مسألة التطور العلمي. نحن نرى بعيوننا وبأبصارنا وبكل ما استلمناه من علم منقول بأن اللاحق أكثر علما من السابق دون فرق بين نوع الأشخاص. وهذا ما تشهد به طريقة العيش والحياة في الدنيا على مر الزمان. وهكذا طرق الدعوة إلى الله تعالى.
فنوح اكتفى بدعوة قومه إلى ترك الخضوع الاختياري لغير الله تعالى ولم يتطرق إلى الصلاة ولم يتحدث عن يوم القيامة بوضوح.
ولكنه باعتبار طول عمره وأعمار قومه فإنه تحدث عن بعض المسائل العلمية التي لا نجد لها أثرا في عهود الرسل الذين جاؤوا بعده بمن فيهم رسولنا. لقد تحدث نوح عن التطور في خلق الإنسان وفي خلق السماوات والأرض وهذا ما لم نسمعه بعده حتى ما قبل حوالي أربعة قرون بالكثير. وسمعناه يئن من القدرة الإعلامية لدى قومه في المواجهة معه وهذه ما لم يتفوه بها أي رسول بعده. لقد تحدث نوح وحده بأن النظام الشمسي الذي منحنا أرضا بقمر يساعدنا على الحياة الطيبة موجود في كل الكون وهذا ما لم يعرفه أحد بعده حتى يومنا هذا. لا زال العلم يجهل هذا الأمر الهام وهو الذي يفسر قيام رب العالمين بخلق هذا الكم الهائل من المجرات والنجوم أو الأنظمة الشمسية كما يظن نوح.
هذه الخاصية نجدها نحن المؤمنون بالقرآن لدى نوح وحده الذي تمكن بعد حوالي ألف سنة من التفكير في الكون وخالق الكون أن يصنع أول سفينة في هذا الكوكب بوحي من الله تعالى. ولم يتمكن نبينا من صناعة سفينة أرضية أو فضائية بعد نوح حتى قام البشر بعد قرون من وفاة رسولنا الأمين بعمل ذلك. سلام الله على الرسل جميعا ولكنها حقيقة يجب أن نقبلها.
تصوروا لو أن موسى أو عيسى أو نبينا عليهم السلام رأوا ما رآه أبوهم إبراهيم في المنام فهل كانوا يظنون بأنه أمر من الله تعالى لقتل ابنه؟ وهل يمكن أن يأمر الله تعالى أحدا بقتل ابنه البريء؟ ثم إن إبراهيم لم يعرف كيف يتصرف مع قومه ليبقوا على ولائهم لهم فذهب ودمر أصنامهم وهو الذي أدى إلى إخراجه من بلده العراق احتمالا قبل أن تكتمل رسالته. لكن نبينا لم يمس الأصنام بسوء حتى فتح الله تعالى له مكة المكرمة ودانت له القاصون والأدنون. هنالك قام بتدمير الأصنام ورميها بعيدا عن الكعبة المشرفة. أليس في هذا دليلا واضحا على أن رسولنا كان أكثر تطورا من أبيه إبراهيم في العلم عموما وفي علم الاجتماع خصوصا؟
وهكذا الذين عاشوا مع الأنبياء فكان الخلف أكثر تطورا من السلف والقرآن مليء بالشواهد. ثم إن البشرية اليوم تركب السيارات ورسولنا لم يعرف غير الدواب كمراكب والبشرية تكتب بالكمبيوتر ويستعمل الإنترنت للنشر ورسولنا لم يعرف غير الكتابة على الورق أو الجلد ولم يعرف طرق النشر غير المنبر. أليس في كل هذا أوضح دليل على أن الله تعالى طور عبيده علميا على مر التاريخ.
هذا لا يعني إخواني وأخواتي بأننا أفضل ممن سبقنا إيمانا. كلا وأكثر من كلا. كما أن تطور نبينا لا يدل على أنه أفضل من إبراهيم إيمانا عند الله تعالى. فنبينا مأمور بأن يتبع إبراهيم في ملته وهو والذين اتبعوا إبراهيم والذين آمنوا مع رسولنا أولى بإبراهيم من غيرهم من الناس. هذا شرف واضح لإبراهيم على غيره من الرسل. فالإيمان شيء والعلم شيء آخر.
الإيمان يتطور بتطوير الإنسان نفسه والعلم يتطور بتطوير الله تعالى لكل الكائنات بمن فيها السماوات والأرض والملائكة والجن والإنس.
فنحن يا أخي غسان أعلم بكثير من الإمام جعفر الصادق وأعلم بكثير من الرسل ولكن الإيمان والفضل عند الله تعالى فهو عند الله وليس عندنا ولا نعرف عنه شيئا. ولذلك لا يمكن أن تجد أخي الكريم أي أمر لي ولك بأن نتبع فهم رسول الله للقرآن الذي كان فهما محدودا بزمانه ومكانه كما قال أخونا الكريم عزت هلال. ولذلك لم يصن الله تعالى أي قول أو تفسير أو بيان لرسوله ولم يأمر الرسول نفسه بتدوين أي شيء وليس بيننا أي ادعاء بأن الرسول أو المهاجرين الأولين أو الأنصار أو الصحابة عامة أو التابعين خلفوا أية مدونة من عندهم عدا القرآن.
إخواني وأخواتي المكرمين. عاش رسولنا وكل صحابته على كتاب واحد لم يعرفوا غيره كما عاش كل التابعين بمن فيهم أئمة الشيعة على نفس الكتاب. ليس بيد الشيعة أي أثر كتبي لأي من أئمة الشيعة المعروفين بين مختلف طوائفهم سواء أئمة الشيعة الاثني عشرية أو الزيدية أو البهرة أو غيرهم فيما عدا الذين يؤمنون ببقاء الإمامة توارثيا بعد وفاة الحسن العسكري (تاريخيا فقط) مثل بعض الزيدية والآغاخانية. والإمام مالك ليس من أئمة الشيعة ولا الإمام أحمد بن حنبل الذين خلفا كتبا من ورائهما مثلا وكانا معاصرين لأئمة الشيعة الاثني عشرية. وأما الإمام الثاني عشر فهو ليس أكثر من خيال وليس بيدنا أي كتاب صادر منه ولو كان موجودا ويخاف الظهور لكتب في الإنترنت كما طلب منه أحد إخواني المحققين قبل سنوات.
والكليني وغيره جاؤوا فترة بعد وفاة العسكري وادعوا تلك الأحاديث فكيف نثق بهم؟ ثم إننا نقول عمليا بأنهم مفترون بدليل أن أخي غسان كغيره من السنة والشيعة يؤمن بوجوب التحقيق في كلام الكليني والطوسي وغيرهم وإخراج الصحيح منها. هذا يعني بأن الشيعة لا يؤمنون بنزاهة الشيخ الكليني والطوسي وابن بابويه القمي وغيرهم من المحدثين. وهكذا السنة بمن فيهم البخاري نفسه الذي قال عمليا بأن أكثر من 98% من الأحاديث التي بيده مفتراه على الرسول.
فلماذا تتحدثون عن شيء غير موجود وتصرفون وقتكم الثمين عليه؟ التقولات ليست علما وللعلم كتبه وآثاره. أين آثار علم رسول الله وأين كتبه؟
وأما أخي العزيز غسان ماهر فأرجو منه أن يترك الفضائل والمديح فنحن لا نعترف بها إطلاقا. الدعايات ليست من دأب المفكرين. نحن نريد شيئا ملموسا ينبئ عن فقه جعفر الصادق ومكتوبا بقلمه بعيدا عن الادعاء.
وأما الفقه الشيعي الموجود بيدنا فهو مثل الفقه السني وكلاهما فقهان غريبان عن الفهم الإنساني المعاصر. إذا أباح السنة نكاح الرضيعة فإن الفقه الشيعي يبيح ذلك أيضا. وإذا أباح السنة قتل المرتد ورجم المحصن والمحصنة وقتل تارك الصلاة وقتل ناكر الصلاة و ... و ... و ... فالشيعة كذلك أيضا. ويضيف بعض الشيعة جواز أو وجوب قتل الذي يسب المعصومين كما يجيزون أو يوجبون قتل كل من ينال من رسول الله أو الأئمة ولك في فتوى الإمام الخميني باغتيال سلمان رشدي خير دليل على ذلك. والله تعالى في القرآن لا يجيز أي مس بدني لمن يقوم بسب الله تعالى والعياذ بالله بل يأمر بأن لا نسبهم حتى لا يسبوا ربنا العزيز على قلوبنا جميعا.
هذا هو الفرق بين كتاب السماء وبين كتب البشر من الشيعة والسنة وغيرهم أخي غسان. فقليلا من التفكير والتدبر الخالص لوجه الله تعالى أخي الكريم. واسمح لي أن أسألك سؤالا آخر.
كيف تفسر قيام بني جلدتنا بالبكاء وإظهار الحزن الشديد على وفاة رسول الله ومقتل على والحسين وكذلك وفاة بقية المعصومين بما يعني أنهم كانوا عاجزين عن حماية أنفسهم؛ كيف تفسر بعد ذلك البكاء والحزن أن نطلب منهم المساعدة وهم أموات لا نسمع لهم ركزا؟ لو كان أبو الفضل العباس قادرا على حمايتي أنا لحمى أولاد أخيه الحسين من العطش وقد عجز عن ذلك وهو على قيد الحياة فكيف أطلب منه أن يساعدني؟
ثم كيف نفسر لطم الصدور بشدة وشق الرؤوس بالقامة وإيذاء الأطفال الصغار بإدماء رؤوسهم الناعمة بالسكين والمشي على النار وعلى الزجاج المكسور كما نراه في لندن هذه الأيام و ... و ... و ...؟ أليس ذلك اعتراض على الله تعالى بأنه قدر القتل لعبده الحسين بن علي؟ أليس كل هذا عوار الشيعة ودليل على ضلالهم كما عليه أتباع البخاري ومسلم؟ الفرق بينهما هو أن الوهابيين اليوم وهم من السنة يقتلون الناس ويفجرون أنفسهم بقصد قتل الناس والشيعة يؤذون أنفسهم ويدمون أطفالهم؟ كلهم يأتون بالشرك وكلهم يظلمون أنفسهم وأهليهم أخي الكريم.
كنت أتمنى أن يكون لدي وقت لأقوم بكشف عوار كتبنا نحن الشيعة وعقائدنا نحن الشيعة كما يفعله أخي الكريم سيادة المستشار أحمد ماهر ضد كتب وأفكار إخواننا السنة، ولكن ما باليد حيلة. وأتمنى أن يهدي الله تعالى أخي غسان وهو أجدر مني ليقوم بهذا الدور الكبير فيخدم الشيعة خدمة حقيقية إرضاء لله تعالى كما يقوم أخي أحمد ماهر بتقديم الخدمة للسنة إرضاء لله رب العالمين. وأتمنى من الله تعالى أن يوفق بني جلدتي ليتركوا ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام الخيالية ويتمسكوا بولاية الله تعالى الحقيقية. قال تعالى في سورة الكهف: هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44). وقال سبحانه في سورة محمد: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (11).
فلا ولاية لمحمد عليه السلام علينا ولا ولاية لإبراهيم عليه السلام علينا ولا ولاية لبشر علينا ولكن الولاية لله تعالى الذي خلقنا ورزقنا وأمرنا باتباع كتابه الكريم وصانه لنا فضلا منه ونعمة. إنه هو الذين يتوفانا وهو الذي نطمع أن يغفر لنا خطايانا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وهو الحي القيوم الذي يسمعنا ويستجيب لنا ولا نحتاج إلى أحد بيننا بينه فهو شرك واقعي بربنا. لو كان الله تعالى ربي فما معنا إدخال الموتى بيني وبين ربي؟ أليس هذا شركا أخي الكريم؟
وليست هناك ولاية تكوينية لأحد ومحمد وفاطمة والأئمة كلهم غير معصومين وقد ماتوا جميعا عدا الموهوم الخيالي وليس بيدهم أي شيء ونحن نحبهم لأنهم عبيد صالحون لله وليس لأنهم يمكنهم أن يفيدونا. لا يمكنهم أن يفيدونا لا بعلمهم ولا بولايتهم التكوينية المزعومة التي يدعو لها كبار علماء الشيعة مثل العلامة الطباطبائي دون سند من القرآن الكريم وهو أكبر مفسر شيعي مقبول لدى الشيعة اليوم للقرآن الكريم.
إن عصمة رسلنا الكرام بمن فيهم رسولنا محصورة في رسالتهم ليبلغوها صحيحة كاملة وقد وضح الله تعالى كيفية ذلك العصمة في سورة الجن: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28).
وختاما أرجو من أخي العزيز غسان أن يطمئن بأننا جميعا نحبه بقدر ما أعلمه عن الإخوة والأخوات كما أرجو منه أن يعلم بأنني أحب كل آبائي وأمهاتي الذين ماتوا على التشيع كما أحب كل إخواني وأخواتي وكل أهلي وكل الشيعة كما أحب كل السنة وأحب كل البشر وأتمنى للجميع الهدى من الله تعالى وهو لن يأتينا لو لم نسع إليه. وأستثني من ذلك الذين يقتلون البشر بدون استثناء فهم جميعا أعدائي وأكرههم جميعا وأتبرأ منهم جميعا وأدعو ربي صباح مساء أن يريح البشرية من شرهم جميعا. كما أتبرء من الخلافة الموسومة بالإسلامية وأحمد الله تعالى على أن خلص البشرية من شرها وويلاتها وأدعو كل المسلمين أن يتركوا الوهم ويبتعدوا عن الخلافة المزعومة كما أدعو كلهم أن يبتعدوا عن وهم المهدي المنتظر ويتركوا الأساطير ويعودوا إلى الله تعالى مولانا الملك الحق المبين. والسلام على الجميع.
أحمد المُهري
2/ 11/ 2014

 


نوفمبر 2، 2014

أخي أحمد المهري
حمدا على سلامة العودة لكل أصدقائك ومحبيك. أفادنا الله من علمك ولا شك عندي أن يكون خطاب أخي أحمد المهري ختاما لسلسلة الرسائل بيني وبين أخي الفاضل الذي أحبه وأحترمه وأقدره رغم ما بيننا من خلاف. فلن يحسمه أحد.

 


 
دعوة للحوار
هذا التحليل هو اجتهاد قد يكون خطأ ولكن ترجيحي له يعكس قناعتي بصحته وليس عندي أي مشكلة للتخلي عن قناعتي في حالة قناعتي بخطئه. باختصار أنا أؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أرسل رسالة واحدة فقط هي القرآن الكريم وهي المعجزة الوحيدة للرسول عليه الصلاة والسلام. وتجربة الرسول عليه الصلاة والسلام هي بيانه في عصره وهي تجربة بلا شك فريدة تضاف بلا شك إلى التراث الإسلامي. وسيظل بلا شك جزء منها صالح لزمن الرسول عليه الصلاة والسلام كما يصلح لكل الأزمان بعده. وهناك بلا شك أمور أخرى لم تعد صالحة لنا كما توجد بعضها يحتاج إلى تعديل يناسب العصر. وللشيعة وللسنة أن يعتقدوا بما شاءوا من كتب مقدسة اخرى غير القرآن الكريم، فنحن نتفق على أن القرآن الكريم هو قاسم مشترك بيننا نعود إليه ليحكم بيننا.
أرحب بالحوار في أي وقت.
عزت هلال

 
منشورات

نوفمبر 2014

 

Wednesday, February 25, 2015

السلطة في الإيمان المسيحي


السلطة في الإيمان المسيحي


 
لابد للتعرف على الإيمان المسيحي أن نفرق بين عبارة ملكوت الله أو ملكوت السماوات وبين الملك الزمنى المحدود (الحكم المدني). كان يسوع عليه السلام ينادي بها كحدث متوقع حدوثه في المستقبل، أو ربما يكون الملكوت كان قد جاء فعلا إلى الإنسان بشخص المسيح. وبحسب الإيمان المسيحي فإن السماء أو العالم الروحي تعترف بحكم الله وتخضع له، أما الأرض أو العالم المادي فهي ولوقت محدود بحاجة لمعرفة سر الله لتخضع له وتعترف بملكه.
(رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي 1: 13): «الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ،»
(إنجيل متى 21: 43): «لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ.»
فالخضوع لملكوت الله يكمن في الطاعة لله تعالى كما تفعل الملائكة في السماء.
(إنجيل مرقص 12:12-17): «ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلَا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لِأَنَّكَ لَا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللّهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لَا؟ نُعْطِي أَمْ لَا نُعْطِي؟ فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِي بِدِينَارٍ لِأَنْظُرَهُ. فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: لِقَيْصَرَ. فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ. فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ»
ونفهم من هذا أن من تعاليم المسيح أن الواجبات للدولة مقدسة وضمن الواجب الديني. ولكن كان الأمر للتفرقة بين السلط الدينية ومكانها ملكوت الله في السماء أو في الأرض، والسلطة الزمنية (المدنية) المحدودة ومكانها الأرض فقط. لا يحق للمسيحي مثلاً أن يتمرد على حكم دولته الشرعي رغبة في الثورة والعصيان. ولكنه أيضاً لا يستطيع أن يخضع لأمر الدولة بالكف عن عبادة الرب، والتبشير بإنجيل المسيح؛ لأن شريعة الله أسمى وأعظم وأوجب بالطاعة من قوانين الدولة المخالفة لحكم الله. صحيح أن المسؤولية الروحية هي الصفة الأغلب على العمل المسيحي، قال المسيح:
(إنجيل متى 5: 13) «أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. »
على جميع المسيحيين في مختلف ظروفهم أن يعملوا جاهدين في سبيل تقريب نظام دولهم وأسلوبهم مما هو منسجم مع القيم الإلهية للحياة الإنسانية. قال المسيح عليه السلام أنه ما جاء لينقض الأحكام ولكن ليكمل:
(إنجيل متى 5: 17): «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.»
فأضاف التوبة على كل الأفعال التي تستوجب القصاص فهذا فعل صاحب السلطة أما هو فيوجب التوبة لتطهير النفس فقد قال عن الزانية:
(انجيل يوحنا 8: 7): «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر!»
فلما سألها المسيح عليه السلام أما دانك أحد أجابته:
(انجيل يوحنا 8: 11): «فقالت لا أحد، يا سيد. فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضا»
قال المسيح عليه السلام «اذهبي ولا تخطئي أيضا» فهو لا يملك سلطة الحساب وهو لا يرفضها أيضا ولكن الدين هو التوبة والعودة إلى الحق مرة بل مرات ولعل الله يغفر.
(انجيل متى 5: 44): «وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،»
وهذا هو محور العمل الثقافي لتغيير السلوك الإنساني إلى الأفضل بدون سلطة.
[لاهوت التحرير المسيحي المصري _ https://www.facebook.com/lahot.elta7rer/info?tab=page_info]
فالخلاص يجب ألا يحدّ في عبارات تتعلق بالحياة بعد الموت فقط، لكنه يجب أن يشمل مفهوم ملكوت الله كواقع الآن. هذا الملكوت هو نظام اجتماعي جديد، يضمن المساواة للجميع. هذا المعنى لا يعني تجاهل البعد الأبدي "الحياة بعد الموت"، لكنه يربط الاثنين معاً. وإذا كان التاريخ والأبدية مرتبطين معاً، فإن الخلاص هو التحرك نحو نظام جديد. وبناءً عليه فالمؤمنون مطالبون بمقاومة كل شيء يعارض هذا النظام الجديد.

دعوة للحوار
كل ما أكتبه هو وجهة نظر يمكن أن تكون صوابا أو خطأ وأرجح صوابها ولذا كتبتها وهي دائما معروضة للحوار فإن ثبت خطئها فلا مانع من تصحيحها فلا يوجد أي مقابل لها يمنعني من الأخذ بعكسها. والدين، سواء كان المسيحية أو الإسلام لا سلطة له ولكنه حديث وجداني يغير المجتمع بوسائل سلمية إلى الأفضل. هذه الوثيقة جزء من المؤسسات الدينية التابعة للمجتمع المدني التابع لمنظومة الدولة الحديثة.
عزت عبد المنعم هلال
مقترح منظومة الدولة الحديثة


 
من منشورات
فبراير 2015