Saturday, April 12, 2008

جولة ثقافية

جولة ثقافية

ذهبت إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب وكان معي أحد أقربائي الشبان. هذا الشاب طالب في كلية الهندسة قسم اتصالات. وعلم الإتصالات كما تعلم هو علم العصر فقد انتقلنا من عصر الكمبيوتر إلى عصر الإتصالات، هذا ما قاله بيل جيتز. أشهد أن قريبي هذا متفوقا في دراسته، وأشهد أنه على تُقى ووَرع. وطبعا تعرف أن السمة الغالبة على معرض الكتاب في السنوات القليلية الماضية هو كثرة كتب التراث الديني وكثرة الناشرين في هذا المجال. هذا ليس نقدا ولكنه تسجيل لظاهرة. لاحظت النهم الشديد للشاب على اقتناء كتب التراث والأشرطة والاسطوانات المدمجة عن الإسلام واللوحات الفنية للأدعية والآيات القرآنية. عرضت عليه أن نمر ولو مرورا سريعا على الأقسام التي تضم كتب الكمبيوتر والهندسة.

قال لي: هذه علوم الدنيا، ولنا فيها الكفاية فيما نتلقاه في الكلية.
قلت له متسائلا: أوليست الكتب التي تقتنيها من علوم الدنيا؟
فقال بشكل جازم لا شك فيه: لا هذه علوم الدين، علوم الجنة، خيركم من تعلم القرآن وعلمه (حديث لرسول الله صلوات الله وسلامة عليه).

دار بخيالي ما قرأته عن عالم الفيزياء النووية النظرية، الفيلسوف الألماني هيسنبرج. كان هيسنبرج من أروع عازفي البيانو قبل الإلتحاق بالجامعة. كان كل من حوله يتوقع أن يختار دراسة الموسيقى. فاجئهم هيسنبرج باختياره دراسة الفيزياء النظرية. قالت له والدة أحد أصدقائه تعليقا على اختيارة لمستقبله: إن المجتمع يتشكل باختيارات شبابه فمن يختار الفن يجعل المجتمع أكثر جمالا ومن يختار العلم يجعل المجتمع أكثر نفعا. لم أتذكر نص ما قالته السيدة الألمانية ولكننى تذكرت المعنى الذي قصدته وتسائلت ماذا يكون شكل المجتمع إذا اختار كل شبابنا دراسة القرآن؟

نجحت في إدخال صديقي الشاب إلى خيمة الشعر. ومن عادة الشعراء عندما يلقون قضائدهم أن يقفوا وقفة قصير قبل الكلمة الأخير في البيت. سمعت الشاعر ونحن نتوجه إلى أقرب كرسي وعند وقفته نطقت بالكلمة الأخيرة وإذا بها تكون نفس الكلمة التي قالها الشاعر.

قال صديقى الشاب: هل تحفظ القصيدة؟
قلت له: لا، لم أسمع هذه القصيدة من قبل.
قال: فكيف عرفت الكلمة التي ختم بها البيت؟
قلت: لأنني أحب الشعر، أتدبر معانيه وموسيقاه، فتكون توقعاتي أقرب إلى الحقيقة.
سكت برهة ثم قلت له: هكذا كان يفعل الصحابة بالقرآن الكريم.
وقطعت حديثنا إحدى السيدات بنظرة صارمة، فقد تجاوزنا أدب الاستماع بحديثنا القصير الهامس، وعلينا أن نصمت حتى نستمع جيدا للشعر.

نجحت مرة أخرى في إدخال صديقى الشاب إلى القهوة. فأنا رجل عجوز ومن حقي، بعد هذه الجولة المرهقة، أن أستريح وأشرب فنجانا من القهوة وأسحب نفسا عميقا من سيجارة لأطلقة مرة أخرى .. أوووف. وافق صديقي، على مضض، أن يجلس في مكان يكتظ بالفتيات، بعضهن سافرات بشكل مستفذ، وبعضهن محجبات. وكلهن يشربن الشيشة ويتحدثن في كل شيئ.

قلت لصديقي الشاب: هل تعلم أن داروين أطاع الله سبحانة وتعالي؟
نظر إلى الشاب بسخريه، حاول إخفائها من أدبه الجم وقال: كيف يا عمي؟
قلت: قال الله تعالي "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {20} العنكبوت" وقد سار داروين في الأرض وبحث كيف بدأ الخلق. قد يصيب داروين فيما وصل إليه من نتائج أو قد يخطئ ولكنه أطاع الله.

عزت هلال
4/ 6/ 2003

No comments: