Saturday, April 12, 2008

تداعيات الماضي وبداية السقوط


تداعيات الماضي وبداية السقوط

يتساقط المطر بشدة، صوت الرعد موسيقى تصويرية تشيع الخوف، البرق يشق ظلام السحب الكثيفة على فترات غير منتظمة. أقرأ على بريدي الإلكتروني رسالة مفحمة بالإيمان. العالم كله يتحجب ... سبحان الله. عنوان ملفت للنظر والكاتبة طبيبة نبيلة درست علم الحياة، والجماد أيضا. جولة مع هذه الرحلة الإيمانية قد تزيل وحشة الشتاء في غربة أظنها للإستجمام!


ناقلة المحاضرة تبحث عن الأجر. دخلت أجنبيات إلى الإسلام بسبب هذه المحاضرة، ولعل قارئات الرسالة يدخلن أيضا في الإسلام. فلعل هذه الرسالة تزيل ما أصابني من إحباط سببه إرضاع الكبير وبول الرسول. ويقول الأستاذ أحمد حسنين الحسنية أن معدل التحول عن الإسلام سبعة حالات يوميا مما زاد إحباطي. التحول عن الإسلام في مقال أحمد الحسنية كان رصدا لعام 2001 ونحن الآن في 2007 والأخبار تتواتر عن المعدلات الكبيرة للدخول في الإسلام بسبب مقالات ومحاضرات مثل "العالم كله يتحجب ... سبحان الله".

الجمادات تتحجب. السيف ... يحفظ داخل غمده، والقلم .. بدون غطائه، يجف حبره. صياغة شعرية بديعة فالتأثير الموسيقى مطلوب. فالجمادات لابد لها من غطاء ليحفظها وكأن الغمد أو غطاء القلم ليس بالجمادات. وقد يكون من الأفضل أن أغطي هذا المصباح الذي ينير لي لوحة المفاتيح التي تتنقل عليها أصابعي.

وفي عالم الأحياء، تتحجب الخلية، نباتية كانت أو حيوانية. كل خلية لها حجابها الخاص، فلماذا لا يكون للمرأة حجابها الخاص؟ سؤال وجيه فعلا، أما الأوجه، فلماذا لا يكون للرجل حجابه الخاص؟ ويصور أستاذنا الحسنية الحالة " طمر الرؤوس في الرمال". أليس طمر الرؤوس نوع من الحجاب للرجل والمرأة معا. وهكذا تنتقل محاضرة الطبيبة القادمة من الجزيرة العربية بين الكائنات تحدد الأحجبة التي ترتديها. كل النبات يتحجب. البذرة تتحجب بالتربة، "فالبذرة باطن الأرض خير لها من ظاهرها, كذلك المرأة, إن هي لم تتحجب تجلب السوء لنفسها والعار لأهلها.. ويسود الفساد في الأمة ويصبح باطن الأرض خير لها من ظاهره". الجذر عليها قلنسوة، الساق يغطيها طبقة شمعية، والأوراق أيضا. أما عضو التأنيث في الزهرة فيقع في مركز تحيط به الأوراق الزهرية لتحميها. "فإن كان الله عز وجل قد حافظ على عضو التأنيث في مجرد زهرة ما لنبات ما بهذا الشكل .. أليست أنثى الإنسان هي الأجدر والأولى بهذه الحماية؟ وما سبل هذه الحماية؟ وهل أنتِ مجرد زهرة جميلة؟ ".

يتوقف المطر. وأسمع صوت الطيور على الشجرة. أين اختفت هذه الطيور؟ هل تحجبت؟ انتقل بصري من الطيور إلى السماء الملبدة بالغيوم وسافر عقلي بعيدا إلى بداية السبعينات.

كانت الحركة الطلابية في أواخر الستينات وبداية السبعينات في أوج ازدهارها. كل ألوان الطيف تجمعت في الحرم الجامعي. اليسار كان أقوى ألوان الطيف. يقف على مسرح قاعة الإحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة قادة الطلبة من اليسار. لم أعلم أن هؤلاء الطلبة من الكفار إلا بعد أن شاهدت مجموعة من الطلاب المسلمين يمزقون مجلاتهم بأيديهم وملابسهم وجلودهم بالأسلحة البيضاء. أسرة أبناء الريف بهندسة عين شمس جمعت كل ألوان الطيف. اليسار بفصائلة من الناصريين والماركسيين والشيوعيين واليمين من الوفديين والأحرار والإخوان المسلمين فمن أين جاء هؤلاء المسلمون؟

يأتي الطلبة من المعتقلات. يتحدثون عن عملاء الأمن بينهم. كان ردي: وماذا يضيركم من عملاء الأمن؟ هل أنتم منظمة سرية؟ وماذا ينفع تجنيد بعض الطلبة؟ لم نكن نقوم بعمل سري. لم يكن دعوة الشيخ إمام للغناء عملا سريا؟ لم يكن حتى التجهيز لإعتصام أو تظاهر عملا سريا. كان كل المنابر أو الأحزاب متواجدة ولكنها لم ترفع علما وتعلن عن نفسها. هل هذه هي العلاقة السرية التي يبحث عنها الأمن؟ ولماذا تكون هذه العلاقة سرية؟ وهل هي موجودة فعلا. وهل محظور على الطلاب أن ينتمون إلى الأحزاب؟ وهل نشاط الأحزاب داخل الجامعة محظور؟ أسألة حائرة تعبر عن قصور فهمي لظاهرة تجنيد الأمن لبعض النشطاء. ولكنني كنت مصرا على عدم جدواها. فالحركة علنية ولا يضيرها التقارير الأمنية. لم أكن مؤمنا بوجوب التنظيمات السرية مثل أيماني اليوم بحتمية وجود تنظيمات سرية. ولكن العمل السري لا يغني عن العمل العلني. والعمل العلني لا يضيره عملاء الأمن. ولكن إشاعة وجود عملاء الأمن بين النشطاء يؤثر في العمل العلني ويضعف حركة المعارضة السياسية. هذا ما حدث في بداية السبعينات وما يحدث الآن. العقيد أبو زكري، الإسم الحركي لمسئول الأمن عن جامعة عين شمس، نجح في إشاعة الفرقة بنشر أخبار عملائه المزعومين، ونجح في إجهاض الحركة الطلابية بزرع البلطجية بينهم. وقد إزداد اليوم أبو زكري نضجا. البلطجة ليست فقط عنفا جسديا ولكنه عنفا بالكلمة التي لا تعرف العيب وتتجاوز كل حدود الأدب. وقد كانت للكلمة المكتوبة قدسيتها. ولعل سهولة توصيل الكلمة، كميزة للإنترنت، هو ما دفع بكلمات بذيئة، تقال في الجلسات الخاصة، تنتشر بين عموم الناس فضاعت قدسيتها. وقد نتجاوز عن زلة اللسان مرة، ولكن الإصرار عليها لابد له من وقفة. وليس ذلك إهدار لحرية الكلمة. فاللص والمفسد مكانه السجن ولا مكان هنا لدعوة حرية الإنسان فالمريض يعزل والمجرم يسجن، ولابد للبذائة ألا ترى النور. فليست البذائة رأيا يجب أن يحترم وإن اختلفنا معه. وقد دفع حماس أخونا إلهامي الميرغني إلى قول بعض الكلمات الغير لائقة، ولا أقول البذيئة. ولأنه إنسان محترم فقد تراجع على الفور واعتذر وكان اعتذاره مكرمة له وإعلاءا لشأنه وليس ضعفا أو مهانة. لم تتغير مواقف وأفكار إلهامي الميرغني ولكنه حذف بعض الكلمات الغير لائقة ولا أقول البذيئة مثل تلك الكلمات التي تصر على إيذاء مسامعنا منذ فترة طويلة.

لقد انتشرت المدونات، وهذا من دلائل الصحوة. جميع الشباب، وحتى الأطفال والشيوخ، ينشئون مدونات. المسألة لا تكلف إلا الدخول على الأنترنت من أي قهوة بسعر فنجان شاي. الكلمة نور. ولكن إذا انتقل نداء الميكانيكي على صبية إلى صفحات الإنترنت سريعة الإنتشار، فذلك هو الظلام بعينة. وسادت لغة أولاد الشوارع لتكون هي لغة مثقفوا العصر وحاملوا راية التنويير والجهاد. فبدلا من أن نبني بيوتا لأولاد الشوارع ونهذب سلوكهم نسمح لكلماتهم أن تلوث أسماعنا وننعتهم بالمناضلين والمعارضة التي تهاجم النظام الفاسد. أفكار مبدعة في ثوب مبتذل. لغة خطاب ركيكة يسمونها أحيانا بالحداثة، ويسمون الفحش كسرا للقيود وتمردا على المألوف. وليس حجاب العالم بالكلام الممنوع فضحالة الفكر علاجه مبسور أما الإنحطاط يلزمه أنبياء لم يعد لهم وجود.

عزت هلال

No comments: