Thursday, May 15, 2008

التغريب والترهيب


التغريب والترهيب

كنت في المطار الجديد مع أحد أقاربي الشباب في استقبال والده ... تجاذبنا الحديث:

قلت: انظر إلى هذه اللافتات المضيئة ...
قال: هي لشركات سياحية.
قلت: إقرأ أسمائها الإنجليزية.
قال (الطالب في الثانوية العامة): ليست مقررة علينا!
قلت: هي مقررة على كل الشعب المصري!

اللافتات لأسماء شركات سياحية مكتوبة بالحروف الإنجليزية وفوقها نفس الأسماء بالحروف العربية ... قلت له إقرأ الأسماء الإنجليزية ... فقرأ الطالب بأحد مدار س اللغات المنتشرة للطبقة المتوسطة كطفل يتعلم القرائة ...

fast tours
half moon tours
paradise tours

وغيرها كثير ...

قلت والآن جاء دور الأسماء العربية ... فقرأ بطلاقة لسان طالب الثانوية العامة:

فاست للسياحة
هاف مون للسياحة
بارادايس للسياحة

وهكذا فالكلمة العربية الوحيدة هي (للسياحة) وباقي الأسماء هي مجرد نطق أسماء إنجليزية بحروف عربية ...

هذه يا بني هي ثقافة الهزيمة حيث نستخدم لغة المنتصر ونهجر لغتنا. والكارثة تكمن في أن هذا المظهر إنما هو تعبير عن إحساس بالدونية تجاه المنتصر وتكريس قبول الأمر الواقع وإيثار السلامة وربما قناعة داخلية بأن محاكاة هذا المنتصر والتشبه به والتمسك بثقافته هو السبيل الوحيد للنهوض وتجاوز الهزيمة. وأتذكر قول أحد أصدقائي من الحكماء: تصور أنك تمتلك سيارة سيات تقودها في بداية الطريق الصحرواي إلى الإسكندرية في سباق مع صديقك الذي يمتلك سيارة مرسيدس ويسبقك بقرابة ربع المسافة إذا جاز لنا أن نكون متفائلين وأنه قد تم إلغاء حد السرعة، المائة كليومتر في الساعة. فهل تتصور أنك سوف تصل إلى الإسكندرية قبله. الإجابة لا تحتاج إلى عناء تفكير ... قطعا المرسيدس سوف تصل قبل السيات. قد تقول لكي أصل قبله يجب أن أقود سيارة مرسيدس مثله. ولكنك واهم، حتى إذا افترضنا أنك تساوية في مهارة القيادة وهذا غير وارد فهو يملك خبرة قيادة المرسيدس التي لا تملكها أنت. وعلى ذلك فإنك لن تستطيع اللحاق به إذا استخدمت نفس وسائله لأنه على الأقل يسبقك. والسبيل الوحيد للحاق به أو الوصول قبله إلى الأسكندرية هو أن تقتني سيارة تفوق قوة محركها السيارة التي يقتنيها صديقك اللدود الذي سيتمسك بسبقه ولن يسمح لك بالتفوق عليه.

وعلى بعد خطوات ليست بالبعيدة تظهر لافتة لشركة سياحية، على استحياء، تحمل إسم النخيل للسياحة. قلت لصديقى الشاب إقرأ الإسم الإنجليزي لهذه الشركة البعيدة ... قرأ الشاب بصوت فرح:

Al-Nakheel Tours

سألته: أرى أنك فرحت عندما قرأت إسم هذه الشركة! لماذا؟
أجاب: فرحت لأن صاحب هذه الشركة تمسك بلغتنا العربية ولم يقل مثلا:

Palm Tours

وأنا كذلك فرحت مع فرح صديقي الشاب وقلت: صاحب هذه الشركة اختار المقاومة مثل حماس والجهاد وحزب الله والقليل من المنظمات. فنحن جميعا أمام خيارين لا ثالث لهما إما قبول الهزيمة وإما مقاومتها. والمقاومة تتراوح وسائلها من أعظمها وأجلها وهي المقاومة بالسلاح إلى أوهنها وأضعفها وهي التمسك بهويتنا ونبذ روح الإنهزامية وهذا ما فعله أصحاب شركة النخيل للسياحة.

تدخل في الحديث رجلا كان يجلس بجواري قائلا:

كتابة اللافتات باللغة الإنجليزية ليس له كل الدلالات الخيالية التي أسقطها قهرا على الموضوع. ببساطة شديدة، اللافتات الإنجليزية موجهة للسياح وليست موجهة إلى المواطن المصري الذي يتحدث العربية.

وجهة نظر تستحق الدراسة ... وهل السياح يقرئون الحروف العربية؟ وهل السياحة تقتصر على من يتحدثون الإنجليزية؟ فالكثير من السياح ألمان وفرنسيين وأسبان وروس ومن كافة دول العالم ... ربما تكون اللغة الإنجليزية تتمتع بمكانة عالمية لا نستطيع أن ننكرها ... ولكن ألا يصاحب السياح عادة مرشد مصري يقوم عادة بدور الوسيط بين الفوج السياحي والجهات المعنية من وكلاء سياحة وتأجير سيارات وغير ذلك من الجهات. وهل هذه المكاتب السياحية الموجودة في المطار يتعامل معها السياح من الأساس؟ وهل يصعب على السائح أن يعرف أن النخيل للسياحة هي شركة سياحية كما يعرف أن بنك مصر هو بنك.

قال الرجل بلهجة حاسمة: أنا عمري 70 سنة ولا آخذ العلاوة التي قررها حسني مبارك لأصحاب المعاشات فليس لي معاش ولكنني أحب هذا الرجل بسبب حكمتة التي تجنب مصر الحروب وتحفظ مصر من الإنهيار ويسلك طريق التعمير والرخاء لشعب مصر ويجبر الأغنياء على إقامة المشروعات التي ... وقبل أن يسترسل صاحبي العجوز في الإسطوانة المشروخة التي مللنا سماعها، قاطعته: مهلا يا أخي فأنا مثلك على المعاش وزاد معاشي مائة جنية (20% بحد أعلى 100 جنيه) وزاد سعر بنزين سيارتي 100 جنيه في المتوسط شهريا (35% بدون حد أعلى) وزادت ضريبة سيارتي السنوية من 25 جنيه إلى 175 جنيه أي 700% بدون حد أعلى كما زادت جميع السلع التي أشتريها والخدمات التي أحتاجها، واحفظ عن ظهر قلب ما تود أن تقوله واسمح لي بسؤال: هل توافق على تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل بسعر أقل من سعره. أجاب صديقي الجديد، الذي لا أعرف اسمه، بلهجة حاسمة ليس فيها أي شبهة تردد: لا أوافق على تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل أصلا. وهنا سألته: هل يعلم رئيسنا محمد حسني مبارك بصفقة الغاز مع إسرائيل؟ قال بثقة: قطعا لا يعرف! قلت: إن لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم يا صديقي. قال بشيء من التردد: إنه يعالج الأمور بحكمة حتى لا نتعرض لويلات الحروب مع أكبر قوة في العالم.

وماذا يفعل المحتل إلا أن يسرق ثرواتنا الطبيعية من غاز وماء ويؤجج الفتن الطائفية ويفسد التعليم والجامعات ويبور أرضنا الزراعية ويعتقل الوطنيين ويعذبهم و...

الدلائل واضحة وضوح الشمس ...

فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ... (سورة البقرة - آية 258)


عزت هلال


بتــاريخ: [2008/05/12]

1 comment:

انا من اهوى ومن اهوى انا said...

للأسف هى دى الثقافة الجديدة

ثقافة التغريب والامركة كثير من زملائى بالعمل لا يستطيعون قراءة العربية او كتابتها بشكل سليم

أما الترهيب فهو سياسة تنغرز يوميا بداخل الشعوب العربية الا وهى خلق صورة مرعبة للوحش الامريكى والغربى
لاتنم الا عن خيالات مروجيها ولكن للأسف تلقى صدى واسعا بداخلنا

تصدير الغاز الخام لإسرائل والادهى من ذلك انه يصدر مدعوما

لنا الله

تحياتى